دعبل يوم منادمته فطلبه فلم يقدر عليه فشق ذلك علي طاهر فلما كان من الغد كتب إليه دعبل:
هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة * وهل ترتجى فيك الزيادة بالكفر ولكنني لما أتيتك زائرا * فأفرطت في بري عجزت عن الشكر فان زدت في بري تزيدت جفوة * ولم نلتق حتى القيامة والحشر ثم قال حدثني أمير المؤمنين المأمون عن أمير المؤمنين الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس عن رسول الله ص: من لا يشكر الناس لا يشكر الله ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير فوصله بثلاثمائة ألف درهم وانصرف.
تاريخ دمشق: كان علي بن القاسم الخوافي مدح أحمد بن نصير وتردد إليه بعد أن مدحه فلم يخرج الجواب كما أحبه فكتب إليه رقعة يقول فيها قال علي بن الجهم في مثل ما نحن فيه:
يا من يوقع لا في قصتي أبدا * ماذا يضرك لو وقعت لي نعما وقع نعم ثم لا تنوي الوفاء بها * إن كنت من قولها باللفظ محتشما أولا فوقع عسى كيما تعللني * فان قولي لا يبكي العيون دما وكتب في رقعته ومن أحسن ما يذكر لعبد الله بن طاهر:
إفعل الخير ما استطعت وإن * كان قليلا فلن تحيط بكله ومتى تفعل الكثير من الخير * إذا كنت تاركا لأقله وكتب في رقعته أن دعبلا كتب إلى عبد الله بن طاهر:
ماذا أقول إذا انصرفت وقيل لي * ماذا أخذت من الجواد المفضل إن قلت أعطاني كذبت وإن أقل * ضمن الجواد بماله لم يجمل فاختر لنفسك كيف شئت فاني * لا بد مخبرهم وإن لم أسال أخباره مع أبي القاسم المطلب ابن عبد الله بن مالك الخزاعي الأغاني بسنده قال دعبل حججت أنا وأخي رزين وأخذنا كتبا إلى المطلب بن عبد الله بن مالك وهو بمصر يتولاها فصرنا من مكة إلى مصر فصحبنا رجل يعرف بأحمد السراج فما زال يحدثنا ويؤانسنا طول طريقنا ويتولى خدمتنا ورأيناه حسن الأدب وكان شاعرا ولم نعلم وكتمنا نفسه وعلم ما قصدنا له وعرضتنا عليه أن ننحله قصيدة في المطلب ينشده إياها وينتفع بها فاظهر سرورا بذلك ووردنا مصر ودخلنا على المطلب وأوصلنا إليه الكتب التي معنا وأنشدناه فسر بموضعنا وكانت القصيدة التي مدح بها دعبل المطلب قصيدته المشهورة التي يقول فيها:
أبعد مصر وبعد مطلب * ترجو الغنى إن ذا من العجب إن كاثرونا جئنا بأسرته * أو واجدونا جئنا بمطلب ووصفنا له أحمد السراح فاذن له ودخل عليه ونحن نظن أنه سينشده القصيدة التي نحلناه إياها فعدل عنها وأنشده:
لم آت مطلبا الا بمطلب * وهمة بلغت بي غاية الرتب أفردته برجاء أن يشاركه * في الوسائل أو ألقاه بالكتب وأشار إلى الكتب التي أوصلتها إليه وهي بين يديه فكان ذلك أشد من كل شئ مر بي ثم أنشده:
رحلت عيسى إلى البيت الحرام على * ما كان من وصب فيها ومن نصب القي بها وبوجهي كل هاجرة * تكاد تقدح بين الجلد والعصب حتى إذا ما قضت نسكي ثنيت لها * عطف الزمام فامت سيد العرب فأممتك وقد ذابت مفاصلها * من طول ما تعب لاقت ومن نقب إني استجرت باستارين مستلما * ركنين مطلبا والبيت ذا الحجب فذاك للأجل المأمول آمله * وأنت للعاجل المرجو والطلب هذا ثنائي وهذي مصر سانحة * وأنت أنت وقد ناديت من كشب فصاح مطلب لبيك لبيك ثم قام إليه فأخذه بيده وأجلسه معه وقال يا غلمان البدر فأحضرت ثم قال الخلع فنشرت ثم قال الدواب فقيدت فامر له من ذلك بما ملأ عينه وأعيننا وصدورنا وحسدناه عليه وكان حسدنا بما اتفق له من القبول وجودة الشعر وغيظا بكتمه أيانا نفسه واحتياله علينا أكثر وأعظم فخرج بما أمر به وخرجنا صفرا أقول قوله باستارين هو تثنية أستار جمع ستر فان الجمع ثنيته كما قالوا جمالين تثنية جمال. جمع جمل في الأغاني عن محمد بن المرزبان حدثني من سال الرياشي عن قوله أستارين قال يجوز على معنى كذا وأستار كذا وأنشدنا الرياشي:
سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا * فكيف لو قد سعى عمرو عقالين لأصبح القوم أوقاصا فلم يجدوا * يوم الترحل والهيجا جمالين العقال زكاة عام من الإبل والغنم قال ابن الأثير نصب عقالا على الظرف أراد مدة عقال اه والساعي عامل الزكاة. قال في تمام الخبر السابق فمكثنا أياما ثم ولى دعبل بن علي أسوان وكان دعبل قد هجا المطلب غيظا منه فقال:
تلعق مصر بك المخزيات * وتبصق في وجهك الموصل وعاديت قوما فما ضرهم * وشرفت قوما فلم ينبلوا شعارك عند الحروب النجا * وصاحبك الأخور الأفشل خانت إذا أقبلوا آخر * وأنت إذا انهزموا أول وقال فيه:
أضرب ندى طلحة الطلحات متئدا * بلؤم مطلب فينا وكن حكما تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم * فلا تعد لها لؤما ولا كرما وبلغ المطلب هجاؤه إياه بعد أن ولاه فعزله عن أسوان وأنفذ إليه كتب العزل مع مولى له وقال أنتظره حتى يصعد المنبر يوم الجمعة فإذا علاه فاعطه الكتاب وامنعه من الخطبة وأنزله عن المنبر وأصعد مكانه فلما علا المنبر وتنحنح ليخطب ناوله الكتاب فقال له دعني أخطب فإذا نزلت قرأته قال لا قد أمرني أن أمنعك من الخطبة حتى تقرأه فقرأه وأنزله عن المنبر معزولا فحدثني عبد الله بن أبي الشيص عن دعبل قال المطلب ما تفكرت في قولك قط:
إن كاثرونا جئنا بأسرته * أو واحدونا جئنا بمطلب إلا كنت أحب الناس إلي وما * تفكرت والله في قولك لي وعاديت قوما فما ضرهم * وقدمت قوما فلم ينبلوا إلا كنت أبغض الناس إلي. وفي تاريخ دمشق بعد ذكر هجوه إياه بقوله أضرب ندى البيتين قال فدعاه بعد ذلك المطلب وقال له والله لأقتلنك لهجائك لي فقال له أشبعني إذا ولا تقتلني جائعا فقال قبحك الله