لا تعجبي يا سلم من رجل * ضحك المشيب برأسه فبكى أصلح المغني في ذلك لحنا وغنى به بحضرة الرشيد فاستحسن شعره وقال لمن هذا الشعر فقال لرجل من خزاعة يقال له دعبل ووصف له علمه وأدبه وفاقته فقال يوجه إليه من ثيابي بثياب ومن مراكبي بمركب وعشرة آلاف درهم فحمل ذلك إليه ودخل على الرشيد فقربه وأدناه وأجرى عليه رزقا إلى أن مات الرشيد فقال القصيدة التي يقول فيها:
أرى أمية معذورين ان قتلوا * ولا أرى لبني العباس من عذر خبره مع الأمين قال فلما قام ابن زبيدة قال دعبل:
الحمد لله لا صبر ولا جلد * ولا رقاد إذا أهل الهوى رقدوا خليفة مات لم يحزن له أحد * وآخر قام لم يفرح به أحد فمر هذا ومر الشوم يتبعه * وقام هذا وقام الشوم والنكد واستتر من ابن زبيدة اه ولكن سيأتي في أخباره مع المعتصم أنه قال البيتين الأولين لما مات المعتصم وقام الواثق.
أخباره مع المأمون قال فلما قام المأمون هجاه فقال من قصيدة:
أيسومني المأمون خطة بجاهل * أو ما رأى بالأمس رأس محمد اني من القوم الذين هم هم * قتلوا أخاك وشرفوك بمقعد فطلبه فاستتر منه إلى أن بلغه انه هجا إبراهيم بن المهدي بقوله:
ان كان إبراهيم مضطلعا بها * فلتصلحن من بعده لمخارق فضحك المأمون وقال قد وهبته ذنبه فليظهر فصار إليه فكان أول داخل عليه. ولما قدم على المأمون وأمنه استنشده القصيدة الكبيرة فأنكرها فقال لك الأمان أيضا على انشادها فقال:
تأسفت جارتي لما رأت زوري * وعدت الشيب الحلم ذنبا غير مغتفر توجوا الصبا بعد ما شابت ذوائبها * وقد جرت طلقا في حلبة الكبر أجارتي ان شيب الرأس نفلني * ذكر المعاد الغواني وأرضاني عن القدر لو كنت أركن للدنيا وزينتها * إذا بكيت على الماضين من نفري اخنى الزمان على أهلي فصدعهم * تصدع الشعب لاقى صدمة الحجر بعض أقام وبعض قد اهاب به * داعي المنية والباقي على الأثر اما المقيم فأخشى ان يفارقني * ولست أوبة من ولى بمنتظر أصبحت أخبر عن أهلي وعن ولدي * كحالم قص رؤيا بعد مدكر لولا تشاغل نفسي بالأولى سلفوا * من أهل البيت رسول الله لم أقر وفي مواليك للمحزون مشغلة * من أن تبيت لمفقود على اثر كم من ذراع لهم بالطف بائنة * وعارض من صعيد الترب منعفر معتفر انسى الحسين ومسراهم لمقتله * وهم يقولون هذا سيد البشر يا أمة السوء ما جازيت احمد عن * حسن البلاء على التنزيل والسور خلفتموه على الأبناء حين مضى * خلافة الذئب في أبقار ذي بقر وليس حي من الاحياء نعلمه * من ذي يمان ولا بكر ولا مضر الا وهم شركاء في دمائهم * كما تشارك أيسار على جزر قتلا وأسرا وتحريقا ومنهبة * فعل الغزاة باهل الروم والخزر أرى أمية معذورين ان قتلوا * ولا أرى لبني العباس من عذر قوم قتلتم على الاسلام أولهم * حتى إذا استمكنوا أجازوا على الكفر أبناء حرب ومروان وأسرتهم * بنو معيط ولاة الحقد والوغر أربع بطوس على قبر الزكي بها * ان كنت تربع من دين على وطر قبران قبر لخير الخلق كلهم * وقبر شرهم هذا من العبر النكر ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما * على الزكي بقرب الرجس من ضرر هيهات كل امرئ رهن بما كسبت * له يداه فخذ ما شئت أو فذر فلما أتم دعبل انشاد هذه القصيدة ضرب المأمون الأرض بعمامته وقال صدقت والله يا دعبل.
في الأغاني عن عبد الله بن طاهر ان المأمون لم يزل يطلب دعبلا وهو طائر على وجهه حتى دس إليه دعبل قوله:
علم وتحكيم وشيب مفارق * تطميس طلسن ريعان الشباب الرائد وامارة في دولة ميمونة * كانت على اللذات أشغب عائق فالآن لا أغدو ولست برائح * في كبر معشوق وذلة عاشق نبق ابن شكلة بالعراق وأهله * فهفا إليه كل أخرق مائق انى يكون ولا يكون ولم يكن * يرث الخلافة فاسق عن فاسق ان كان إبراهيم مضطلعا بها * فلتصلحن من بعده لمخارق ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل * ولتصلحن من بعده للمارق ابن شكلة إبراهيم بن المهدي المعني الذي بايعه بنو العباس بالخلافة لما بايع المأمون الرضا بولاية العهد ومضطلعا بها اي بالخلافة ومخارق وزلزل مغنيان مشهوران والمارق من مرق من الدين فلما قرأها المأمون ضحك وقال قد صفحت عن كل ما هجانا به إذ قرن إبراهيم بمخارق في الخلافة وولاه عهده وكتب إلى أبي يعني طاهر بن الحسين ان يكاتبه بالأمان ويحمل إليه مالا وان أراد أن يقيم عنده أو يصير إلى حيث شاء فليفعل فكتب إليه أبي بذلك وكان واثقا به فصار إليه فحمله وخلع عليه واجازه وأشار عليه بقصد المأمون فلما دخل وسلم عليه تبسم في وجهه ثم قال أنشدني: مدارس آيات خلت من تلاوة فجزع فقال له لك الأمان فلا تخف وقد رويتها ولكني أحب سماعها من فيك فأنشده إياها إلى آخرها والمأمون يبكي حتى اخضلت لحيته بدمعه فما شعرنا به الا وقد شاعت له أبيات يهجو بها المأمون بعد احسانه إليه وانسه به حتى كان أول داخل وآخر خارج من عنده أقول لعلها الأبيات التي يقول فيها: ويسومني المأمون خطة عاجز وقد تقدمت وهي ان دلت على شئ فإنما تدل على إباء نفسه وعدم خنوعه وجرأته وقوة قلبه لا على قلة وفائه. ويأتي عند الكلام على القصيدة التائية خبره مع المأمون فيما يرجع إلى هذه القصيدة.
وعن امالي الشيخ الطوسي عن يحيى بن أكثم قال طلب المأمون دعبلا بعد وفاة الرضا ع وأعطاه الأمان فبينما انا جالس عند المأمون إذ دخل عليه دعبل فلما قرب من مجلس المأمون قال له أنشدني قصيدتك الرائية الكبيرة فأنكر دعبل معرفتها وأن يكون قال قصيدة بهذه الصفة فقال له المأمون أنشدها ولك الأمان فأنشد تأسفت جارتي القصيدة السابقة.
قال يحيى بن أكثم فلما وصل دعبل إلى قوله خلفتموه على الأبناء