ثم التحم الهجاء بينهما وبسنده عن أحمد بن مروان مولى الهادي:
لقيني أبو سعد المخزومي فقال يا أحمد أنا أريد شكايتك إلى أبيك فقلت ولم أبقاك الله قال ما فعل دفتر الزاريات القصائد التي قالها أبو سعد في النزارية فيظهر أنه كان عند أحمد هذا أخذه ولم يرده لأبي سعد قلت هو ذا أجيئك به ومررت بدعبل فقال ما هذا معك قلت دفتر فيه شعر أبي سعد في النزاريات فأخذه فنظر فيه وابنه علي معه فلما نظر إلى قوله: مالت إلى قلبك أخزانه قال له ابنه ما كان عليه لو قال: عادت إلى قلبك أحزانه فقال دعبل صدقت والله يا بني أنت والله أشعر منه ثم صرت إلى أبي سعد فقال من أين أقبلت قلت من عند دعبل قال وما دعبلت عنده فأخبرته بما قال ابنه في شعره فقال صدق والله في أي سن هو قلت قد بلغ.
الأغاني عن علي بن سليمان الأخفش عن المبرد كان أبو سعد المخزومي يستعلي على دعبل في أول أمره وكان يدخل إلى المأمون فينشده هجاء دعبل له وللخلفاء يحرضه عليه فلم يجد عند المأمون ما أراده فيه وكان يقول الحق في يدك والباطل في يد غيرك والقول لك ممكن فقل ما يكذبه فاما القتل فاني لست أستعمله إلا فيمن عظم ذنبه.
وبسنده عن أبي سعد المخزومي واسمه عيسى بن الوليد أنشدت المأمون قصيدتي الدالية التي رددت فيها على دعبل قوله:
ويسومني المأمون خطة عاجز * أو ما رأى بالأمس رأس محمد وأول قصيدتي:
أخذ المشيب من الشباب الأغيد * والنائبات من الأنام بمرصد ثم قلت له يا أمير المؤمنين أئذن لي أن أجيئك برأسه قال لا هذا رجل فخر علينا فافخر عليه كما فخر علينا فاما قتله بلا حجة فلا.
وبسنده عن محمد بن علي الطالبي: أنشدت دعبلا قول أبي سعد فيه من قصيدة:
أبعد خمسين عادت جاهليته * يا ليت ما عاد منها اليوم لم يعد وما تريد عيون العين من رجل * كر الجديدان في أيامه الجدد أبدى سرائره وجدا بغانية * ولو أطاع مشيب الرأس لم يجد واستمطرت عبرات العين منزلة * لم يبق منها سوى الآري والوتد لدعبل وطر في كل فاحشة * لو باد لؤم بني قحطان لم يبد ولي قواف إذا أنزلتها بلدا * طارت بهن شياطين إلى بلد لم ينج من خيرها أو شرها أحد * فاحذر شابيها إن كنت من أحد تهجو نزارا وترعى في أرومتها * وتنتمي في أناس حاكة البرد (1) إني إذا رجل دبت عقاربه * سقيته سم حياتي فلم يعد لو كنت متئدا فيما تلفقه * لكان حظك منه حظ متئد لو كنت معتمدا منه على ثقة * من المكارم قلنا طول معتمد لله معتصم بالله طاعته * قضية من قضايا الواحد الصمد قال محمد فلما أنشدتها دعبلا قال أنا أشتمه وهو يشتمني فما إدخال المعتصم بيننا وشق ذلك عليه وخافه ونقض هذه القصيدة بقصيدة أولها:
منازل الحي من عمران فالنضد وهي طويلة مشهورة في شعره لكنه لم يذكرها.
وبسنده عن أحمد بن هارون دخلت على أبي سعد المخزومي يوما وهو يقول: وأي شئ ينفعني أجود الشعر فلا يروي ويرذل فيروى ويفضحني برديئه ولا أفضحه بجيدي فقتلت من تعني قال من تراني أعني الا دعبلا قلت فيه:
ليس لبس الطيالس * من لباس الفوارس لا ولا حومة الوغى * كصدور المجالس ضرب أوتار نفنف (2) * غير ضرب القوانس وظهور الجياد غير * ظهور الطنافس ليس من ضارس الحروب * كمن لم يضارس بأبي غرس فتية * من كرام الفارس فتية من بني المغيرة * شم المعاطس يطعمون لسديف في * كل شهباء دامس في جفان كأنها * من جفان العرائس ويخوضون باللواء * دماء الأبالس نحن خير الأنام عند * قياس المقايس فوالله ما التفت إليها في مصرنا الا علماء الشعر وقال هو في يا أبا سعد قوصره وذكر ثلاثة أبيات فيها فحش فوالله لقد رواه صبيان الكتاب ومارة الطريق والسفل.
والأغاني بسنده عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي ضمرة الخزاعي: سالت دعبلا أن أقرأ عليه قصيدته التي يناقض بها الكميت:
فيقي من ملامك يا ظعينا كفاك اللوم مر الأربعينا فقال لي فيها أخبار وغريب فليكن معك رجل يقرأها علي وأنت معه فاخترت صديقا لي يقال له علي من شيبان ربيعة فقال تأتيني برجل أسمعه ما يكره في قومه فقلت له أنه يحتمل ويحب أن يسمع ما له وما عليه فقال في مثل هذا أريحية فائتني به فقرأنا عليه القصيدة حتى انتهينا إلى قوله:
من أي ثنية جاءت قريش * وكانوا معشرا متنبطينا فقال دعبل معاذ الله أن يكون هذا البيت لي ثم قال انتقم الله منه يعني أبا سعد المخزومي دسه والله في هذا الشعر وجرد البيت بحد سكين كان معه. ثم قال أنا أحدثكم عنه بحديث ظريف. جاءني يوما ببغداد أشد ما كان بيني وبينه من الهجاء وبين يدي صحيفة ودواة إذ دخل الغلام وقال أبو سعد المخزومي بالباب قلت كذبت قال بلى والله وهو به عارف وأمرته برفع الدواة والجلد وأذنت له في الدخول وجعلت أقول في نفسي:
الحمد لله الذي أصلح ما بيني وبينه من هتك الأعراض وذكر القبيح وكان الابتداء منه فقمت إليه وسلمت عليه وهو ضاحك مسرور وأنا كذلك ثم قلت أصبحت والله حاسدا لك قال على ماذا قلت بسيقك إياي إلى الفضل قال أنا اليوم في دعوة عندك قلت قل ما أحببت فطرح ثيابه ورد دابته فتغدينا ثم طلب مني أن ينشدنا غلامي هجائي فيه فقلت له قد اصطلحنا فما حاجتك إلى هذا فقال سألتك بالله إلا فعلت فليس يشق علي ولو كرهته لما سألته فأنشد الغلام فيه هجاء قبيحا ثم ودعني وانصرف وأمرت غلماني