فبعضهم يقول قريش قومي * ويدفعه الموالي والصميم وبعض في خزاعة منتماه * ولاه غير مجهول قديم وبعضهم يهش لآل كسرى * ويزعم أنه علج لئيم فقد كثرت مناسبهم علينا * وكلهم على حال زنيم وأوردها صاحب الأغاني بسنده عن أبي طالب الحراني مع بعض الاختلاف فقال كان دعبل منحرفا عن آل طاهر مع ميلهم إليه وأياديهم عنده فأنشدني لنفسه فيهم:
وأبقى طاهر فينا ثلاثا * عجائب تستخف لها الحلوم ثلاثة أعبد لأب وأم * تميز عن ثلاثتهم أروم فبعض في قريش منتماه * ولا غير ومجهول قديم وبعضهم يهش لآل كسرى * البيت والذي بعده ولا يبعد ان يكون الصواب في البيتين الثالث والرابع ما ذكره ابن عساكر وما في الأغاني تحريف والله أعلم.
قال ابن طاهر هذه الثالثة ولكن صاحب الأغاني روى عن ابن أخي دعبل بيتين في طاهر بن الحسن وكان قد نقم عليه أمرا أنكره منه:
وذي يمينين وعين واحدة * نقصان عين ويمين زائدة نزر العطيات قليل الفائدة * اعضه الله... الوالدة فيوشك ان يكون هجاؤه له لأجل ذلك لا قلة وفاء منه قال ابن طاهر فاما الرابعة فإنه لما استخلف المعتصم دخل عليه دعبل فأنشده قصيدة فقال أحسنت والله يا دعبل فاسألني ما أحببت قال مائة بدرة قال نعم على أن تمهلني مائة سنة وتضمن لي أجلي معها فقال قد أمهلتك ما شئت وخرج مغضبا فلقي خصيا كان عوده ان يدخل مدائحه إلى الخليفة ويجعل له سهما من الجائزة فقال ويحك اني كنت عند أمير المؤمنين وأغفلت حاجة لي ان أذكرها له أفأذكرها في أبيات وتدخلها عليه قال نعم ولي نصف الجائزة فماكسه ساعة ثم أجابه فاخذ الرقعة وفيها:
بغداد دار الملوك كانت * حتى دهاها الذي دهاها ما غاب عنها سرور ملك * عاد إلى بلدة سواها ليس سرور بسر من را * بل هي بؤس لمن يراها عجل ربي لها خرابا * برغم انف الذي ابتناها وختمها ودفعها إلى الخصي فلما رآها المعتصم قال: من صاحبها قال دعبل وقد جعل لي نصف الجائزة فطلب فكان الأرض انطوت عليه فلم يعرف له خبر فقال المعتصم أجيزوا الخصي بألف سوط فإنه زعم أن له نصف الجائزة. قال ابن طاهر واما الخامسة فان ابن أبي دؤاد كان يعطيه الجزيل من ماله ويقسم له على أهل عمله فعتب عليه فقال فيه ما يأتي في أخباره معه.
قال وكان أهل قم يعطونه الكثير من أموالهم ويمنعون الخلفاء منه فكافأهم بان قال فيهم:
تلاشى أهل قم واضمحلوا * تحل المحرقات المخزيات ظ بحيث حلوا وكانوا شيدوا في الفقر مجدا * فلما جاءت الأموال ملوا وقال فيهم أيضا:
ظلت بقم مطيتي يعتادها * همان غربتها وبعد المدلج ما بين علج قد تعرب فانتمى * أو بين آخر معرب مستعلج قال وهذا المطلب بن عبد الله الخزاعي كان يعطيه فمدحه ثم هجاه كما يأتي في أخباره معه.
قال وهؤلاء بنو أهبان مكلم الذئب وهم بنو عمه هجاهم وقال فيهم ما يأتي في خبره معهم.
قال وهذا الهيثم بن عثمان الغنوي قد دل شعره على أنه قد كان إليه محسنا إذ يقول فيه:
يا هيثما يا ابن عثمان الذي افتخرت * به المكارم والأيام تفتخر أضحت ربيعة والاحياء من يمن * تبهى بنجدته لا وحدها مضر وقال فيه يهجوه ويشرك معه أحمد بن أبي دؤاد:
سالت أبي وكان أبي عليما * بساكنة الجزيرة والسواد فقلت أهيثم من حي قيس * فقال نعم كأحمد من دؤاد فان يك هيثم من حي قيس * فاحمد غير شك من اياد خبره مع الرشيد الأغاني بسنده عن عبد الله بن طاهر كان دعبل أيام ترعرع خاملا لا يؤبه له وكان ينام هو ومسلم بن الوليد في ازار واحد لا يملكان غيره ومسلم أستاذه وهو غلام أمرد يخدمه ودعبل حينئذ لا يقول شعرا يفكر فيه حتى قال:
لا تعجبي يا سلم من رجل * ضحك المشيب برأسه فبكى وشاع فغني به بين الرشيد فطرب وسال عن قائله فقيل دعبل بن علي وهو غلام نشأ من خزاعة فامر باحضار عشرة آلاف درهم وخلعة من ثيابه ومركب من مراكبه ودفع ذلك إلى خادم من خاصته وقال اذهب إلى خزاعة فاسال عن دعبل بن علي واعطه هذا وقل له ليحضر ان شاء وان لم يحب ذلك فدعه فسار الغلام إلى دعبل وأعطاه الجائزة وأشار عليه بالمسير إليه فلما دخل عليه وسلم امره بالجلوس واستنشده الشعر فأنشده فاستحسنه وأمره بملازمته وأجرى عليه رزقا سنيا فكان أول من حرضه وجرأه على قول الشعر وبعثه عليه قال عبد الله بن طاهر فوالله ما بلغه ان الرشيد مات حتى كافأه على ما فعله من العطاء السني والغنى بعد الفقر والرفعة بعد الخمول بأقبح مكافاة وقال فيه من قصيدة مدح بها أهل البيت ع وهجا الرشيد. ثم ذكر أبياتا من القصيدة الرائية الآتية في اخباره مع المأمون التي يقول فيها:
قبران في طوس خير الخلق كلهم * وقبر شرهم هذا من العبر ما ينفع الرجس من قرب الزكي ولا * على الزكي بقرب الرجس من ضرر يعني قبر الرضا ع أقول ذمه الرشيد لم يكن قلة وفاء منه ولكن لما فعله مع أهل البيت الطاهر الذين يتولاهم دعبل.
وفي النبذة المختارة من كتاب تلخيص اخبار شعراء الشيعة للمرزباني المار إليها الإشارة: كان دعبل على غاية من الفقر وكان له صديق مغن فلما قال:
أين الشباب وأية سلكا * لا أين يطلب ضل بل هلكا