البيت أرسلني المأمون بمهمة فلما رجعت وجدت دعبلا قد وصل إلى قوله وليس حي من الاحياء إلى آخر القصيدة اه وهذا يدل على أن القصيدة أكثر من هذا وان هذا هو الذي رواه يحيى منها وقد فاته سماع بعضها فلم يحفظه ولم يروه.
وفي كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي أبي علي محسن بن القاضي أبي القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي: حكى الصولي أنه لما هجا دعبل المأمون قال لهم اسمعوني ما قال فأنشدوه:
اني من القوم الذين سيوفهم * قتلت أخاك وشرفتك بمقعد شادوا بذكرك بعد طول خموله * واستنقذوك من الحضيض الأوهد فقال المأمون قبحه الله ما أبهته متى كنت خامل الذكر وفي حجر الخلافة ربيت وبدرها غذيت خليفة وأخو خليفة وابن ثلاثة خلفاء ثم جد في طلب دعبل حتى ظفر به فلم يشك أحد في أنه قاتله فلما دخل عليه قال لدعبل: واستنقذوك من الحضيض الأوهد فقال يا أمير المؤمنين قد عفوت عن من هو أعظم جرما منه فقال صدقت لا باس عليك أنشدني مدارس آيات قال أنشدها وانا امن قال نعم فأنشده إياها فجعل المأمون يبكي لما فيها إلى قوله:
بنات زياد في القصور مصونة * وبنت رسول الله في القلوات أخباره مع المعتصم قد مر شطر منها فيما سلف مثل أن المعتصم كان يبغضه لهجائه إياه ولغير ذلك وأنه مدحه فقال أحسنت فاسألني ما أحببت فطلب مائة بدرة فاستخف به المعتصم وقال نعم على أن تمهلني مائة سنة وتضمن لي أجلي معها وكانه استكثر هذا الطلب فأجاب بهذا الجواب وكان ينبغي له أن لا يقول له اسألني ما أحببت إذا كان لا يوطن نفسه على إعطاء الكثير وإنه أرسل إليه أبياتا مؤلمة مع خصي احتال عليه وفي تاريخ دمشق أنه لم يلبث أن كتب إليه أبياتا من قم يهجوه بها وقد ذكرها صاحب الأغاني وبين ما ذكراه اختلاف بالزيادة والنقصان ونحن نجمع بينهما وأولها:
بكى لشتات الدين مكتئب صب * وفاض بفرض الدمع من عينه غرب وقام إمام لم يكن ذا هداية * فليس له دين وليس له لب وما كانت الأنبياء تأتي بمثله * يملك فيها أو تدين له العرب ولكن كما قال الذين تتابعوا * من السلف الماضي الذي ضمه الترب ملوك بني العباس في الكتب سبعة * ولم تأتنا في ثامن منهم الكتب كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة * غداة ثووا فيه وثامنهم كلب وإني لأعلي كلبهم عنك رفعة * لأنك ذو ذنب وليس له ذنب كأنك إذ ملكتنا لشقائنا * عجوز عليها التاج والعقد والأثب فقد ضاع أمر الناس حين تسوسهم * وحل بهم عسر وقد عظم الخطب وقد ضاع ملك الناس إذ ساس ملكهم * وصيف وأشناس وقد عظم الكرب وفضل بن مروان سيثلم ثلمة * يظل لها الاسلام ليس له شعب وهمك ان تدلي عليه مهابة * فأنت له أم وأنت له أب واني لأرجو أن يرى من مغيبها * مطالع شمس قد يغص بها الشرب ولئن روى صاحب الأغاني أنه لما سئل عن الذي يقول: ملوك بني العباس في الكتب سبعة قال من أضرم الله قبره نارا إبراهيم بن المهدي فقد روى أيضا أنه سئل عنها فاعترف بها.
وفي تاريخ دمشق قال دعبل: دخلت على المعتصم فقال لي يا عدو الله أنت تقول في بني العباس أنهم في الكتب سبعة وأمر بضرب عنقي وما كان في المجلس إلا من كان عدوا لي وأشدهم علي بن شكلة إبراهيم بن المهدي فقام وقال يا أمير المؤمنين أنا الذي قلت هذا ونميته إلى دعبل فقال له وما أردت بهذا قال لما يعلم ما بيني وبينه من العداوة فأردت أن أشيط بدمه فقال أطلقوه فلما كان بعد مدة قال لابن شكلة سألتك بالله أنت الذي قلته قال لا والله يا أمير المؤمنين وليس أحد أبغض إلي من دعبل ولكنه نظر إلي بعين العداوة ورأيته بعين الرحمة فجزاه المعتصم خيرا اه.
ولم يقتصر هجاؤه المعتصم على زمن حياته بل هجاه بعد وفاته فإنه لما مات المعتصم قال ابن الزيات يرثيه ويمدح الواثق:
قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا * في خير قبر لخير مدفون لن يجبر الله أمة فقدت * مثلك إلا بمثل هارون فقال دعبل يعارضه في ذلك:
قد قلت إذ غيبوه وانصرفوا * في شر قبر لشر مدفون إذهب إلى النار والعذاب فما * خلتك إلا من الشياطين ما زلت حتى عقدت بيعة من * أضر بالمسلمين والدين وحدث محمد بن جرير قال كنت مع دعبل بالصيمرة وقد جاءنا المعتصم وقيام الواثق فقال لي دعبل أمعك ما تكتب فيه قلت نعم فأملي علي بديها:
الحمد لله لا صبر ولا جلد * ولا عزاء إذا أهل البلى رقدوا خليفة مات لم يحزن له أحد * وآخر قام لم يفرح به أحد أخباره مع عبد الله بن طاهر في الأغاني بسنده عن أبي حفص النحوي مؤدب آل طاهر: دخل دعبل على عبد الله بن طاهر فأنشده وهو ببغداد وفي تاريخ دمشق: وفد دعبل بن أبي علي الخزاعي إلى عبد الله بن طاهر فقام تلقاء وجهه وأنشأ يقول:
أتيت مستشفعا بلا سبب * إليك إلا بحرمة الأدب فاقض ذمامي فإنني رجل * غير ملح عليك في الطلب فانتعل عبد الله ودخل إلى الحرم ووجه إليه برقعة معها ستون ألف درهم وفي القعة بيتان وهما:
أعجلتنا فأتاك أول (1) برنا * قلا ولو أخرته لم يقلل (2) فخذ القليل وكن كمن لم يقبل (3) * ونكون نحن كأننا لم نفعل وفي تاريخ دمشق قال أحمد بن أبي دؤاد خرج دعبل إلى خراسان قنادم عبد الله بن طاهر فأعجب به فكان كل يوم ينادمه فيه يأمر له بعشرة آلاف درهم وكان ينادمه فغي الشهر خمسة عشر يوما وكان ابن طاهر يصله في كل شهر بمائة وخمسين ألف درهم فلما كثرت صلاته عليه توارى عنه