وأبدل هذا البيت في نسخة أخرى بقوله:
أو ليس عن داود قد * فككت أثقال الكيول والمراد في كل من البيتين شخص واحد قد استنقذه سيف الدولة من الأسر لان أحد البيتين بدل من الآخر فلا يجوز أن يكون المراد بهما مختلفا بل هو شئ واحد وإنما غير اللفظ إلى ما رآه الشاعر أحسن كما أن المراد بقوله قل لابن عمار بن داود هو المذكور في هذين البيتين وهنا يقال كيف سماه في أحدهما ابن داود وفي الآخر داود وفي السابق ابن عمار بن داود والجواب انه حين جعله ابن داود نسبه إلى جده والنسبة إلى الجد شائعة وحين جعله ابن عمار بن داود نسبه إلى أبيه وحين قال وليس عن داود ذكره باسمه ولا يبعد ان البيت كان أولا أوما كشفت عن ابن داود فغير إلى قوله أو ليس عن داود فان فيه تصريحا باسمه فهو أولى من التعبير عنه بابن فلان فقوله أو ليس عن داود لم يرد به داود بن حمدان أولا لأنه تقدم ذكره في شعر أبي فراس ثانيا لان النسخة الثانية التي أريد بها غير ما في النسخة الأولى كما مر جعلته ابن داود لا داود فالجمع بين هذه الأبيات يدلنا على أن المسمى بداود اثنان أحدهما داود بن حمدان بن حمدون المكنى أبا سليمان الملقب بالمزرفن والثاني حفيده داود بن عمار بن داود بن حمدان بن حمدون المكنى أبا العباس ولداود بن عمار هذا يقول أبو فراس:
صبرا فإنك في كفالة سيد * ماضي العزيمة كالهزبر الضيغم أرأيت عمك مرجعا من بعد ما * جعلوه في حلق الحديد المحكم وأراد بعمه أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان الذي أسره القرامطة واستنقذه سيف الدولة منهم كما مر في ترجمة أبي وائل.
الشيخ داود بن عمر الأنطاكي الطبيب المكفوف توفي بمكة المكرمة سنة 1009 وقيل 1008 وقيل 1007 وقيل 1005 وعن هامش شذرات الذهب أنه توفي سنة 1011 كان عالما فاضلا أديبا شاعرا طبيبا ماهرا مع أنه مكفوف البصر وتحكى عنه في الطب أمور عجيبة وكان شيعيا نص على تشيعه البستاني في دائرة المعارف ولا بد أن يكون أخذه من مصدر وثيق وعلى ذلك شواهد ودلائل كايراده التترية في تزيين الأسواق وتتلمذه على بعض فضلاء الفرس المسمى محمد شريف وصلاته خلف الشهيد الثاني إذا صحت ومسيره إلى جبل عامل كما يأتي وكان معاصرا للشهيد الثاني وسمعنا مذاكرة أنه صلى خلفه فلم تعجبه قراءته لأنه كان قد تعلم التجويد بمصر فبلغ ذلك الشهيد الثاني فكان سبب هجرته إلى مصر وتعلم بها تجويد القراءة وذكره صاحب السلافة بأسجاع طويلة على عادة ذلك العصر وملخص ما فيها أنه أعمى أدرك ببصيرته ما لم تدركه أولوا الأبصار وقطن بمصر فسار صيته في الأمصار وجمع فنون العلم وسرد متونه وشروحه عن ظهر القلب إلى أدب بهر بتبيانه وأظهر حكمة شعره وسحر بيانه فهو عالم في شخص عالم واعتنى بالطب وفاق أربابه حتى كان يقول لو رآني ابن سيد لوقف ببابي أو ابن دانيال لاكتحل بتراب أعتابي وله فيه مؤلفات مطولات ومختصرات وكان قد هاجر في ابتداء حاله إلى مصر فظهر فيها علمه وفضله حتى دب داء الحسد في علمائهم فرموه بالالحاد وفساد الاعتقاد وزعموا أنه يرى رأي القدماء من الفلاسفة والحكماء ويعتقد بقدم العالم فخرج من مصر هاربا إلى البلد الحرام وانضوى إلى سلطان الحرمين الشريفين الحسن بن أبي نمي فأكرم وفادته وأبدله من الخوف امنا إلى أن توفي بالتاريخ السابق وفي البدر الطالع عن العصامي أنه قال في حقه: هو المتوحد بأنواع الفضائل والمتفرد بمعرفة علوم الأوائل شيخ العلوم الرياضية لا سيما الفلسفة وعلم الأبدان القسيم لعلم الأديان فإنه بلغ فيه الغاية التي لا تدرك له فضل ليس لأحد وراءه فضل وعلم لم يحز أحد في عصره مثله حكي ان الشريف حسن لما اجتمع به امر بعض إخوانه ان يعطيه يده ليجس نبضه وقال له الشريف حسن جس نبضي فاخذ يده فقال هذه ليست يد الملك فأعطاه الأخ الثاني يده فقال كذلك فأعطاه قبلها وأخبر كلا بما هو متلبس به وحكي انه استدعاه الشريف لمداواة بعض حرمه فلما دخل قادته جارية ولما خرجت به قال للشريف حسن ان الجارية لما دخلت بي كانت بكرا ولما خرجت بي كانت ثيبا ففحص الشريف عن ذلك فوجده كما قال وله عجائب من هذا الجنس اه وفي شذرات الذهب في حوادث سنة 989 فيها توفي ظنا داود بن عمر الأنطاكي الطبيب الأكمه العالم العلامة قال الطالوي في السانحات داود بن عمر الأنطاكي نزيل القاهرة المعزية والمميز على من له فيها المزية المتوحد بأنواع الفضائل والمتفرد بمعرفة علوم الأوائل لا سيما علم الأبدان المقدم على علم الأديان فإنه بلغ فيه الغاية التي لا تدرك واما معرفته لاقسام النبض فآية له باهرة وكرامة على صدق دعواه ظاهرة ولقد سألته عن مسقط رأسه فأخبرني انه ولد بأنطاكية بهذا العارض قال وقد بلغت عدد سيارة النجوم سبع سنين وانا لا أستطيع ان أقوم لعارض ريح نحكم في الأعصاب وكان والدي رئيس قرية حبيب النجار واتخذ قرب مزار حبيب رباطا للواردين وفيه حجرات للمجاورين ورتب لهم طعاما يحمل إليهم كل يوم وكنت احمل إلى الرباط فأقيم فيه سحابة يومي وإذا برجل من أفاضل العجم يدعى محمد شريف نزل بالرباط فلما رآني سال عني فأخبر فاصطنع لي دهنا مدني به في حر الشمس ولفني في لفافة من قرني إلى قدمي حتى كدت أموت وتكرر منه ذلك مرارا من غير فاصل على قدمي ثم أقرأني في المنطق والرياضي والطبيعي ثم أفادني اللغة اليونانية وقال لا أعلم الآن على وجه الأرض من يعرفها غيري فأخذتها عنه وانا الآن فيها بحمد الله هو إذ ذاك ثم سافرت إلى جبل عاملة ثم إلى دمشق واجتمعت ببعض علمائها كأبي الفتح المغربي والبدر الغزي والعلاء العمادي ثم دخلت مصر وها أنا فيها إلى الآن قال وكان فيه دعابة وحسن سجايا وكرم نجار وخوف من المعاد وخشية من الله كان يقوم الليل الا قليلا ويتبتل إلى ربه تبتيلا وكان إذا سئل عن شئ من العلوم الحكمية والطبيعية والرياضية أملي ما يدهش العقل بحيث يجيب على السؤال الواحد بنحو الكراسة.
وقال المحبي في خلاصة الأثر ناقلا عن سانحات أبي المعالي درويش الطالوي وتلقاه الطالوي عن الشيخ داود نفسه: ثم ما برح أي الشيخ داود ان سار كالبدر يطوي المنازل لدياره وانقطعت عني سيارة أخباره ثم جرت الأقدار بما جرت وخلت الديار من أهلها وأقفرت بتنكرها علي لانتقال والدي واعتقال ما أحرزته من طريفي وتالذي. فكان ذلك داعية المهاجرة. لديار مصر والقاهرة. فخرجت من الوطن في رفقة كرام نؤم بعض المدن من سواحل الشام. حتى إذا صرت في بعض ثغورها المحمية.
دعتني همة عليه أو علوية أن أصعد منه جبل عاملة فصعدته منصوبا على المدح وكنت عامله. وأخذت عن مشايخها ما أخذت وبحثت مع فضلائها