ومن الواضح أن بلوغ الثواب على ما هو قبيح عقلا أو شرعا لا يكون محركا للعبد نحو العمل، ولا يصدر العمل منه بداعي الثواب بمجرد بلوغه، فالاخبار لا تشمل مثل هذا المورد.
وعليه نقول: إذا كان العمل المتعلق بالموضوع المخبر به من مقولة القول، كنشر الفضيلة ونقل المصيبة ونحوهما. أشكل شمول اخبار من بلغ للاخبار باستحبابه، وذلك لان النقل والاخبار بما لا يعلم مطابقته للواقع قبيح، لأنه كذب محرم شرعا وعقلا، بناء على أن الكذب هو الاخبار بما لا يعتقد مطابقته للواقع لا ما يعتقد مخالفته فيكون التقابل بينه وبين الصدق تقابل العدم والملكة.
وأما بناء على أن الكذب عدم مطابقة المخبر به للواقع والصدق هو المطابقة - فيكون التقابل بينهما تقابل التناقض أو التضاد، أن أريد من عدم المطابقة المخالفة للواقع -، فما لا يعلم أنه مطابق لا يعلم أنه صدق أو كذب، فلا يحرم شرعا لأصالة البراءة، لأنه شبهة موضوعية، ولكنه قد يقال بقبحه عقلا بدعوى أن الاخبار بما لا يعلم مطابقته يقبح عقلا.
وقد يذكر ذلك بدعوى أن الشئ ما لم يرجع إلى الظلم لا يكون قبيحا عقلا، ولا يصدق الظلم على مجرد الاخبار بما لا يعلم مطابقته إذا لم يترتب عليه ضرر على نفسه أو غيره.
والصحيح ان يقال في وجه حرمته وقبحه عقلا: إن كل ما لا يعلم انه كذب يكون طرفا لعلم اجمالي بحرمة الاخبار به أو بنقيضه أو ضده للعلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع فيكون كذلك، فإذا لم يعلم بمجئ زيد، يعلم اجمالا بان الاخبار به أو الاخبار بعدم مجيئه حرام واقعا لخلو الواقع عن أحدهما، فهو يعلم ان الكذب لا يخرج عن أحدهما. وهو علم اجمالي منجز فيستلزم حرمة كل من الطرفين عقلا. فلاحظ وتدبر.