التكليف للجعل الشرعي، وذلك لا لاجل عدم كونه اختياريا، كي يشكل بما ذكر، بل لأجل أن العدم يتحقق بعدم جعل الوجود، إذ هو لا يحتاج إلى علة، بل هو يتحقق بعدم تحقق علة الوجود - فما افاده الأصفهاني من احتياج العدم إلى علة في غير محله -. وعليه فلا معنى لتعلق الجعل به وتشريعه، فعدم الحرمة يتحقق بعدم تشريع الحرمة لا بتشريعه بنفسه.
وعليه، فيكون العدم كالموضوع التكويني لا يصح التعبد به بلحاظ نفسه لعدم قابليته للجعل، بل لا بد أن يكون بلحاظ الأثر الشرعي المترتب عليه، كما إذا كان موضوعا لحكم شرعي تكليفي أو وضعي، أو كان الوجود موضوعا للأثر الشرعي فيستصحب العدم لنفي أثر الوجود. مثل عدم الملكية في المال الموضوع لحرمة التصرف فيه وعدم حلية اللحم الموضوع لحرمة الصلاة فيه وضعا والعدم فيما نحن فيه ليس موضوعا لحكم شرعي كما بينه الشيخ وقد تقدم ذكره.
هذا، مضافا إلى أن الاستصحاب إنما يتكفل جعل العدم ظاهرا، وهو لا ينفي احتمال الوجود واقعا، فيحتاج إلى اجراء قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ويكفي شاهدا على ما نقول أنه لو قطع بجعل العدم في مرحلة الظاهر بتصريح الشارع به لم يستلزم ذلك القطع بالعدم في الواقع، بل يحتمل أن يكون التكليف في الواقع ثابتا لعدم التنافي بين الواقع والظاهر - كما قرر في محله -. إذن فلا ينفع الاستصحاب في نفي احتمال الواقع، ومع احتماله نحتاج إلى الرجوع إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
نعم، مع جعل الإباحة ظاهرا لا حاجة إلى القاعدة، إذ الترخيص ظاهرا يستحيل معه العقاب، فلا احتمال له كي ينفى بالقاعدة.
وأما النقض بالامارات القائمة على نفي التكليف - الوارد في كلام العراقي -، فيندفع بالفرق بين الامارة والاستصحاب، لان الامارة الدالة على عدم الحرمة تدل بالملازمة على الترخيص - للملازمة بين عدم أحد الضدين