الأولى: ان القيود المأخوذة في الدليل إذا لم تكن اختيارية فلا بد من أخذها مفروضة الوجود وبنحو القضية الحقيقية، وما يؤخذ في متعلق التكليف هو القطعة الاختيارية، فمثل الخمر في " لا تشرب الخمر " يؤخذ مفروض الوجود فلا يثبت الحكم الا على تقدير ثبوته، لعدم قابلية الامر الخارج عن الاختيار لتعلق التكليف به.
الثانية: ان تمام المؤثر والعلة في حصول الإرادة التكوينية هو العلم والصورة النفسية، لاستحالة تحقق الانبعاث أو الانزجار عن الوجود الخارجي بدون العلم، فالعطشان يستحيل ان يتحرك نحو الماء إذا لم يعلم بوجوده لديه، وقد يموت عطشا والماء عنده لجهله به، وبالعكس يتحرك نحو الماء إذا علم بوجوده ولو لم يكن له في الخارج عين ولا أثر، اذن فما يوجب الحركة هو العلم وحضور الصورة في النفس من دون مدخلية للخارج فيها.
الثالثة: إن شأن التكليف هو تحريك الإرادة التكوينية من قبل العبد وايجادها، فهو بالنسبة إلى إرادة العبد نظير مفتاح الساعة بالنسبة إلى حركتها.
ويترتب على ذلك: ان التكليف بحسب لسان الدليل وان كان يتعلق بنفس الموضوع الخارجي وهو الخمر مثلا، إلا أنه حيث إنه انما يحرك إرادة العبد واختياره، وقد عرفت أن الإرادة لا تكون الا في صورة العلم. فما يتمكن منه العبد هو ترك ما قطع بخمريته - مثلا -، فيكون هو متعلق التكليف، وإصابة الواقع وعدمها أجنبيتان عن الاختيار والإرادة.
وبالجملة: يشترك العاصي والمتجري في الجهة الاختيارية فيشتركان في التكليف.
هذا تقريب الاستدلال على المدعى، وقد ناقشه المحقق النائيني (قدس سره) بان المقدمة الأولى وان كانت صحيحة لا مناص عن التزام بها كما حقق في الواجب المشروط، لكن اما المقدمتين الأخريين ممنوعتان: