ثم ذكر صاحب الكفاية: أنه إذا التزم بتحكيم أدلة نفي الحرج في المقام ورفع وجوب الاحتياط التام بواسطتها، لا وجه لدعوى استقلال العقل بلزوم الاحتياط في بعض الأطراف، بل لا بد من دليل آخر شرعي يقوم عليه (1).
وهذا أيضا يبتني على ما التزم به في مبحث العلم الاجمالي من أنه إذا كان هناك ما يمنع من تنجيزه التام - كالاضطرار إلى ارتكاب أو ترك بعض أطرافه - سقط عن المنجزية بالمرة، فيجوز ارتكاب أو ترك الطرف الاخر غير المضطر إليه (2). ولم يلتزم بالتوسط في التنجيز فيما نحن فيه كما ذهب إليه الشيخ (3) جمعا بين قاعدة الاحتياط ومقتضى العلم الاجمالي وبين دليل نفي العسر والحرج.
وقد استشكل المحقق النائيني في عدم ارتفاع وجوب الاحتياط العقلي إذا استلزم العسر والحرج، وقدم لذلك مقدمة طويلة ذكر انها لرفع شبهة غرست في أذهان الطلاب منشؤها ما ذكره في الكفاية. وملخص ما استند إليه في تحقيق الاشكال وجهان:
الأول: ان العسر والحرج كالاضطرار إلى بعض الأطراف، فكما أنه موجب لعدم وجوب الاحتياط التام في جميع الأطراف كذلك العسر والحرج. فلا يبتنى عدم وجوب الاحتياط التام على حكومة أدلة نفي الحرج على وجوب الاحتياط شرعا.
الثاني: انه يمكن ان تكون أدلة نفي العسر والحرج حاكمة على وجوب الاحتياط العقلي. ببيان: ان وجوب الاحتياط الذي يحكم به العقل انما يحكم به لاجل رعاية التكاليف الشرعية، فإذ كانت رعايتها في حال الانسداد مستلزمة للعسر والحرج كانت أدلة نفيها مقتضية لعدم إلزام العقل بالاحتياط التام،