قبح الظلم امرا واقعيا، بل المراد من النظر ما يساوق بناء العقلاء في مقام العمل.
وعليه فنقول: ان بناء العقلاء العملي يمتنع أن يكون عن ارتجال، فان ذلك ينافي مع فرض كونهم عقلاء، بل لا بد ان ينشأ بناءهم عن امر راجح، بحيث يكون ما بنوا عليه من مصاديقه أو أسبابه.
وعليه، فإذا فرض ان بناءهم على قبح الظلم ناشئ عن امر راجح كحفظ النظام مثلا فننقل الكلام في ذلك الامر الراجح، فهل يكون رجحانه وحسنه أمرا عقليا أو عقلائيا فعلى الثاني، ننقل الكلام فيما دعى إليه ويتساءل عن أنه امر عقلي واقعي أو عقلائي جعلي وهكذا. وعلى الأول، يلزم أن لا يكون حسن العدل وقبح الظلم أمرا عقلائيا مجعولا، بل أمرا عقليا واقعيا، لأنه من مصاديق العنوان الراجح، فالعدل حفظ النظام وهو حسن والظلم اخلال به وهو قبيح.
ثم انا نرى أن حسن العدل وقبح الظلم ثابت ولو لم يكن مستلزما لاخلال النظام، فكيف يقال: ان حسن العدل وقبح الظلم من الأحكام العقلائية ومما تطابقت عليه آراء العقلاء حفظا للنظام وابقاء للنوع؟.
والتحقيق ان يقال: ان النفس تشتمل على قوى متعددة كالقوة الغضبية والقوة الشهوية، ولكل من هذه القوى ملائمات ومنافرات بالإضافة إليها وبلحاظها، فالانتقام مما يلائم القوة الغضبية وينافرها عدم الانتقام. ومن قوى النفس القوة العقلية ولها ملائمات ومنافرات أيضا. فالنفس تدرك ان هذا الامر مما يلائم القوة العقلية وذلك ينافرها.
ولا يخفى ان شأن القوة العاقلة تعديل جميع القوى وتنظيمها بحساب العقل، وعليه فنقول: ان العدل يلائم القوة العقلائية والظلم ينافرها، فمعنى كون حسن العدل وقبح الظلم امرا عقليا، ان العدل يلائم القوة العقلية والظلم ينافرها، فالتحسين والتقبيح يرجعان إلى ملائمة القوة العاقلة ومنافرتها. فكما أن