موردين آخرين: أحدهما: مورد قاعدة الاشتغال، فيبحث في جريان استصحاب الاشتغال. والاخر: مورد أصالة البراءة، فيبحث في جريان استصحاب عدم التكليف.
والجامع بين هذه الموارد هو كون الأثر الذي يحاول ترتيبه على الاستصحاب مترتبا على مجرد الشك، فيقال ان اجراء الاستصحاب تحصيل للحاصل.
والحق: صحة جريان استصحاب عدم الحجية وليس هو من تحصيل الحاصل، وبيان ذلك: ان تحصيل الحاصل انما يلزم لو كان المترتب على الاستصحاب نفس الأثر المترتب على الشك، اما إذا كان غيره وان كانا من سنخ واحد فلا يلزم تحصيل الحاصل، وما نحن فيه كذلك، فان عدم المنجزية المترتب على الشك في الحجية غير عدم المنجزية المترتب على عدم الحجة، فان الأول بملاك الشك وعدم قابلية الموجود للمنجزية. والاخر بملاك عدم الموضوع وعدم المنجز، ولذا يعبر بأنه من باب السالبة بانتفاء الموضوع. ونظيره في البراءة الشرعية والبراءة العقلية، فان قبح العقاب المترتب على الشك في التكليف - في مورد البراءة العقلية - غير قبح العقاب المترتب على عدم التكليف الثابت بالبراءة الشرعية أو استصحاب عدم التكليف، فان الأول بملاك قبح العقاب بلا بيان ولعدم ثبوت التكليف، والثاني بملاك عدم المخالفة لعدم التكليف.
وعليه فلا يكون اجراء الاستصحاب مستلزما لتحصيل الحاصل.
وقد يتخيل ان ما ذكرناه يتأتى بناء على كون الحكم الواقعي في ظرف الجهل به انشائيا. اما بناء على المسلك القائل بان الحكم الواقعي فعلي في ظرف الجهل به فلا يتم ما ذكر، إذ نفي التكليف أو الحجية بالاستصحاب لا ينفيها فعلا فيبقى الشك على حاله ولا يكون الحكم العقلي بملاك ارتفاع الموضوع حينئذ.