عنوة، فهذا البلد المشتبه إما أن يكون على سبيل الأول أو الثالث، فيكون للمسلمين وعليه الخراج، أو على سبيل الثاني فلم يكن عليه خراج، فإما أن يجري عليه خصوص حكم بلا أمر دال عليه أو أمارة ظنية ففيه ترجيح حكم بلا مرجح، أو يرجع فيه إلى الظن، وإذا بطل الأول تعين الثاني، وأيضا إذا كان المظنون فيه أمرا كان خلافه مرجوحا، فإما أن يعمل فيه بالراجح، أو بالمرجوح، أو لا يعمل فيه بشيء منها، لا وجه للثالث وهو ظاهر، ولا وجه للعمل بالمرجوح، فتعين المصير إلى الأول.
والظن قد يحصل بالتواريخ المعتبرة إذا كان صاحب الكتاب اشتهر بصحة النقل واشتهر الاعتماد على كتابه والعمل بقوله بين الناس كابن جرير الطبري وصاحب المغازي والواقدي والبلاذري والمدائني وابن الأثير والمسعودي وأضرابهم.
وقد يحصل باستمرار أخذ السلاطين الخراج منه وأخذ المسلمين من السلاطين، إذ الظاهر أن أخذ الخراج من ذلك البلد إذا كان مستمرا في الأعصار التي نعلمها لم يكن شيئا حادثا من بعض سلاطين الجور، بل كان شيئا مستمرا من الصدر الأول من غير نكير، وأنه لو كان حادثا فالظاهر أنه كان ذلك منقولا في كتب التواريخ والأخبار، لاعتناء أهل التواريخ ببيان أمثال هذه المبدعات والحوادث، وأخذ الناس ذلك الخراج من السلاطين مستمرا شاهد على ذلك، فإن الظاهر جريان أفعال المسلمين على وجه الصحة والمشروعية مالم يعلم خلاف ذلك.
لا يقال: إذا كان البلد تحت يد المسلمين كان محكوما بكونه ملكا لهم، والقول بخلاف ذلك يحتاج إلى أمر مفيد للعلم، ولا يكفي الظن في ذلك.
لأنا نقول: نحن نعلم أن تلك الأراضي كانت تحت يد الكفار ثم طرأ عليها دخولها تحت يد المسلمين، إما على وجه كونها ملكا لجميع المسلمين والآن لصاحب اليد أولوية التصرف فيها تبعا للآثار، وإما على وجه آل الأمر إلى كونه ملكا لصاحب اليد، فإذا اشتبه الأمر لم يكن لنا أن نحكم بشيء من ذلك إلا بحجة،