فلم يبق إلا الترجيح بأمر آخر مع إن دعوى عدم النص في هذه موضع نظر قيل التمسك بظاهرها لا يستقيم لعدم استواء الكلب والفأرة في الحكم وليس حملها على تفسخ الفأرة وخروج الكلب حيا بأولى من حملها على التغير أو إرادة التنظيف قلنا قد دلت على النجاسة في الجملة وإنما يختلف في قدر المطهر بسبب اختلاف أعيان النجاسة وذباء لا يؤثر في أصل الدلالة وأما الاعتبار فهو إن البئر لو لم ينجس لم يكن للنزح فائدة فيكون عبثا والتالي ظاهر البطلان لصدوره عمن لا ينطق عن الهوى فالمقدم مثله والملازمة ظاهرة وأجيب بمنع الملازمة إذ لا يلزم من انتفاء فائدة مخصوصة انتفاؤها مطلقا ولا يلزم من عدم العلم بها عدمها ومن ثم قال المصنف بالاستحباب وهو فائدة والشيخ في التهذيب بأنه تعبد وبالجملة فالاخبار متعارضة والاعتبار قائم وباب التأويل متسع إلا أنه خارج عن الحقيقة غالبا والمسألة من أشكل أبواب الفقه غير إن المعتبر في المصير إلى مثل هذه الأحكام رجحان ما لأحدهما على ضده وكأنه موجود هنا في جانب النجاسة والله أعلم بحقائق أحكامه واعلم إن ماء البئر مباين لسائر المياه في طهره أو طيبه بالنزح إجماعا وتساويها فيما عدا ذلك من المطهرات كوصول الجاري إليه ووقوع ماء الغيث عليه وإلقاء كر فصاعدا على ما مر من التفصيل ثم النزح تارة يكون للجميع وتارة يكون للبعض بحسب اختلاف قوة النجاسة وضعفها فتارة يقتصر الأئمة عليهم السلام على أقل ما يحصل به وتارة يستظهر غير ذلك وتارة يأمر بالأفضل فلا ينكر الاختلاف في الأحاديث قال المحقق فانظر ما اشتهر بين الأصحاب غير مختلف فافت به وما اختلف فالأقل مجز والأوسط مستحب والأكثر أفضل وأسقط ما شذ قلت سيأتي إن عمل الأصحاب على الأكثر لأنه طريق اليقين وإن كان ما ذكره المحقق متوجها والقائلون بالنجاسة أوجبوا نزح الجميع في سبعة أشياء على اختلاف في بعضها موت البعير فيها وهو من الإبل بمنزلة الانسان يشمل الذكر والأنثى والكبير والصغير ومستنده رواية الحلبي عن الصادق عليه السلام وغيرها ومثله الثور وهو ذكر البقر لصحيحة عبد الله بن سنان عنه عليه السلام وإن مات فيها ثور أو صب فيها خمر نزح الماء كله واكتفى ابن إدريس في الثور بكر ولعله إلحاقا له بالبقرة فيجب الكر فيه ولو عكس الحكم بان يلحقها به في نزح الجميع كان أولى لما سيأتي من عدم النص فيها وإن غير النصوص ينزح له الجميع ووقوع المنى على المشهور لكن لا نص فيه على ما ذكره جماعة منهم الشيخ أبو علي بن الشيخ أبى جعفر في شرح نهاية والده ويمكن أن يكون عدم النص هو العلة في نزح الجميع لكن ذكره بين هذه المعدودات للشهرة لا لعدم النص لان غير النصوص سيأتي الكلام والخلاف فيه ولا فرق بين منى الانسان وغيره مما له نفس للعموم وعدم النص المقتضى للتخصيص وقيل المراد به منى الانسان وغيره ملحق بما لا نص فيه وقد عرفت إن النوعين من هذا الباب لولا الشهرة ووقوع دم الحيض و الاستحاضة والنفاس ذكر ذلك الشيخ وتبعه الأصحاب معترفين بعدم النص نطر إلى أنها كالمني ولغلظ نجاستها بوجوب إزالة قليلها وكثيرها عن الثوب والبدن فغلظ حكمها في البئر وأطلق المفيد القول بأن الدم الكثير ينزح له عشر ولقليل خمس ولم يفرق وكذا المرتضى وابنا بابويه وإن خالفوه في المقدور ومال إليه المحقق في المعتبر عمل بالأحاديث المطلقة في الدماء والعمل بالمشهور أحوط إن لم يناف عبادة مضيقة بحيث يمكن الطهارة به مع نزح بعضه خاصة وبالاطلاق أفقه ولا يلحق بها دم نجس العين كالميتة والكلب وأخويه لبطلان القياس وان كانت العلة تقتضيه لكنه شك في شك فالأولى الاقتصار على المشهور إن لم يلحظ عموم الروايات أو إطلاقها ووقوع المسكر المايع بالأصالة لعدم نجاسة الجامد منه كالحشيشة ولا فرق بين الخمر وغيره ولا بين قليله وكثيره حتى القطرة عملا بالاطلاق والنص ورد على الخمر خاصة كما تقدم في صحيحة عبد الله بن سنان وغيره وألحق به باقي المسكرات لعموم قول النبي صلى الله عليه
(١٤٧)