يجتهدوا فيذهب الحق من جملتهم، وقولهم بذ لك فاسد، لأنهم إن اجتهدوا فاختلفوا فالتقصير واقع بهم.
وأعجب من هذا أنهم يقولون مع قولهم بالرأي والاجتهاد إن الله تعالى بهذا المذهب لم يكلفهم إلا بما يطيقونه وكذلك النبي صلى الله عليه وآله واحتجوا بقول الله تعالى:
(وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) وهذا بزعمهم وجه الاجتهاد وغلطوا في هذا التأويل غلطا بينا.
قالوا: ومن قول الرسول صلى الله عليه وآله: ما قاله لمعاذ بن جبل، وادعوا أنه أجاز ذلك والصحيح أن الله لم يكلفهم اجتهادا، لأنه قد نصب لهم أدلة وأقام لهم أعلاما وأثبت عليهم الحجة، فمحال أن يضطرهم إلى ما لا يطيقون بعد إرساله إليهم الرسل بتفصيل الحلال والحرام ولم يتركهم سدى مهما عجزوا عنه ردوه إلى الرسول والأئمة صلوات الله عليهم كيف وهو يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) ويقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) ويقول: (فيه تبيان كل شئ).
ومن الدليل على فساد قولهم في الاجتهاد والرأي والقياس أنه لن يخلو الشئ أن يكون بمثله على أصل أو يستخرج البحث عنه، فإن كان يبحث عنه فإنه لا يجوز في عدل الله تعالى أن يكلف العباد ذلك، وإن كان ممثلك على أصل فلن يخلو الأصل أن يكون حرم لمصلحة الخلق أو لمعنى في نفسه خاص، فإن كان حرم لمعنى في نفسه خاص فقد كان ذلك فيه حلالا ثم حرم بعد ذلك لمعنى فيه، بل لو كان لعلة المعنى لم يكن التحريم له أولى من التحليل، ولما فسد هذا الوجه من دعواهم علمنا أن الله تعالى إنما حرم الأشياء لمصلحة الخلق لا للخلق التي فيها، ونحن إنما ننفي القول بالاجتهاد لأن الحق عندنا فيما قدمنا ذكره من الأمور التي نصبها الله تعالى والدلائل التي أقامها لنا كالكتاب والسنة والإمام الحجة ولن يخلو الخلق من هذه الوجوه التي ذكرناها، وما خالفها فهو باطل.
ثم ذكر عليه السلام كلاما طويلا في الرد على من قال بالاجتهاد في القبلة