فلا يجوز التحكيم في هذين العملين، إنما هو ما أمر الله تعالى به في ذلك وهو ما ذكرنا قبل، فكل ما كان له مثل من صغار النعم جزى به وما لم يكن له مثل من كبار النعم ولا صغاره فإنما فيه فدية طعام مساكين كما قال عز وجل: (أو عدل ذلك صياما) لان من المحال ان يوجب الله تعالى جزاء صيد بمثله من النعم وهو لا مثل له منها لان هذا تكليف ما ليس في الوسع والله تعالى يقول: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها)، فإذ لاشك في هذا فلا شك أيضا في أن الله تعالى قد علم أن من جزاء الصيد الذي خلق صغيرا جدا كصغار العصافير والجراد فلم يجعل في كبير الصيد وصغيرة إلا فدية طعام مساكين أو عدله صياما، فوجب في الجرادة فما فوقها إلى النعامة، وفي ولد أصغر الطير إلى حما الوحش اطعام ثلاثة مساكين فقط، وأما الصيام فلا صيام في الاسلام أقل من صوم يوم، ففي كل صغير منها صوم يوم فقط، فإن كان يشبع بكبر جسمه انسانين أو ثلاثة فأكثر فلكل آكل صوم يوم كما نص الله تعالى، (فان قيل): ان هذا قول لا يحفظ عن أحد ممن سلف قلنا: نحن لا ندعى الإحاطة بأقوال الصحابة جميعهم والتابعين كلهم فمن بعدهم من العلماء بل نقول ونقطع: ان من ادعى الإحاطة بأقوالهم فقد كذب كذبا متيقنا لاخفاء به ولا ننكر القول بما أوجبه القرآن أو السنة وان لم تعرف رواية عن إنسان بعينه بمثل ذلك لان الله تعالى لم يقل لنا قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا بما في القرآن والسنة حتى تعلموا ان انسانا قال بما فيهما، بل هذا القول عندنا ضلال وبدعة وكبيرة من أكبر الكبائر وإنما قال تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) * والناس قد اختلفوا في الجراد فروينا من طريق حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجراد من صيد البحر) * ومن طريق أبى داود نا محمد بن عيسى عن حماد عن ميمون بن جابان عن أبي رافع عن أبي هريرة مسندا مثله (1) * وعن كعب أنه قال لعمر: يا أمير المؤمنين ان الجراد نثر حوت ينثره في كل عام مرتين، وأباح أكله للمحرم وصيده، فهذا قول * وروينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا أبو بشر عن يوسف بن ماهك قال كعب:
ذكر لعمر اني أصبت جرادتين وانا محرم فقال لي عمر: ما نويت في نفسك؟ قلت: درهمين فقال عمر: تمرتان خير من جرادتين امض لما نويت في نفسك، فهذا عمر. وكعب جعلا في الجرادة درهما فهذا قول آخر، ومن طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر بن الخطاب أنه قال في محرم أصاب جرادة: تمرة خير من جرادة * ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله الطحان عن محمد بن عمرو