قال أبو محمد: وهذا في غاية الفساد من وجوه * أحدها أنه دعوى كاذبة بلا دليل وافتراء على رسوله الله صلى الله عليه وسلم بالباطل. وتقويل له ما لم يقله عن نفسه ولا أخبر به عن مراده، وهذا يوجب النار لفاعله * وثانيها انهم لا يقولون بذلك في شراب العسل. والحنطة.
والشعير. والتفاح. والإجاص والكمثرى. والقراسيا والرمان: والدخن وسائر الأشربة إنما يقولونه في مطبوخ التمر. والزبيب. والعصير فقط فلاح خلافهم للنبي صلى الله عليه وسلم جهارا * والثالث أنه تأويل أحمق وتخريج سخيف قد نزه الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن أن يريده بل قد نزه الله تعالى كل ذي مسكة عقل عن أن يقوله لأننا نسألهم أي ذلك هو المحرم عندكم؟
الكأس الآخرة أم الجرعة الآخرة أم آخر نقطة تلج حلقه؟ (فان قالوا): الكأس الآخرة قلنا لهم: قد يكون من أوقية وقد يكون من أربعة أرطال وأكثر فما بين ذلك، وقد لا يكون هنالك كأس بل يضع الشريب فاه في الكوز فلا يقلعه عن فمه حتى يسكر، فظهر بطلان قولهم في الكأس (فان قالوا): الجرعة الآخرة قلنا: والجرع تتفاضل فتكون منها الصغيرة جدا وتكون منها ملء الحلق فأي ذلك هو الحرام؟ وأيه هو الحلال؟ فظهر فساد قولهم في الجرعة أيضا، (فان قالوا): آخر نقطة قلنا: النقط تتفاضل فمنها كبير ومنها صغير حتى نردهم إلى مقدار الصوابة ويحصلوا في نصاب من يسخر بهم ويتطايب بأخبارهم، فإن لم يحدوا في ذلك حدا كانوا قد نسبوا إلى الله تعالى أنه حرم علينا مقدار اما فصله عما أحل وذلك المقدار لا يعرفه أحد وهذا تكليف مالا يطاق وتحريم ما لا يمكن ان يدرى ما هو وحاشا لله من هذا، (فان قالوا): أنتم تحرمون الاكثار المهلك أو المؤذى من الطعام والشراب فحدوه لنا قلنا: نعم هو ما زاد على الشبع والري المحسوسين بالطبيعة اللذين يميزهما كل أحد من نفسه حتى الطفل الرضيع. والبهيمة، فان كل ذي عقل إذا بلغ شبعه قطع (1) الا القاصد إلى اذى نفسه واتباع شهوته فكيف و الأحاديث التي ذكرنا لا تحتمل البتة هذا التأويل الفاسد؟
لان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شراب أسكر حرام) إشارة إلى عين الشراب قبل ان يشرب لا إلى آخر شئ منه (2)، وأيضا فان الكأس الأخيرة المسكرة عندهم ليست هي التي أسكرت الشارب بالضرورة يدرى هذا بل هي وكل ما شرب قبلها، وقد يشرب الانسان فلا يسكر فان خرج إلى الريح حدث له السكر وكذلك ان حرك رأسه حركة قوية فأي أجزاء شرابه هو الحرام حينئذ، وبالله تعالى التوفيق * قال أبو محمد: ونقول لهم: إذا قلتم: ان الكأس الأخيرة هي المسكرة فاخبرونا متى صارت حراما مسكرة؟ أقبل شربه لها أم بعد شربه لها أم في حال شربه لها؟ ولا سبيل إلى قسم رابع،