الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون * ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) * فهذه الثلاث الآيات هي التي أنزلت منها في المدينة وسائرها بمكة، وسورة المائدة أنزلت بالمدينة لا خلاف في ذلك، (فان ذكروا) ما روى عن عائشة أم المؤمنين أنها سئلت عن الدم يكون في أعلى القدر؟ فلم تربه بأسا وقرأت (قل: لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) حتى بلغت (مسفوحا) فان هذا قد عارضه ما رويناه عنها من طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح عن جرى بن كليب عن جبير بن نفير قال: قالت لي عائشة أم المؤمنين: هل تقرأ سورة المائدة؟ قلت: نعم قالت: أما أنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها حراما فحرموه * قال أبو محمد: وأيضا فان الدم الذي في أعلى القدر إن كان أحمر ظاهرا فهو بلا شك مسفوح ولا خلاف في تحريمه وإن كان إنما هو صفرة فليس دما لان الدم أحمر أو أسود لا اصفر فان بطلت صفاته التي منها يقوم حده فقط سقط عنه اسم الدم وإذ لم يكن دما فهو حلال، وكذلك ما في العروق وخلال اللحم فإنه ليس ظاهرا (1) وإذا لم يكن ظاهرا فليس هنالك دم يحرم. وإنما نسأل خصومنا عن دم أحمر ظاهر إلا أنه جامد ليس جاريا أيحل أكله أم لا؟ فهذا مكان الاختلاف بيننا وبينهم، بالله تعالى التوفيق * وأما المسك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يتطيب به في حجة الوداع وبعدها وقبلها وأقره الله تعالى على ذلك واباحه له ولنا وقد علم الله تعالى أنه في أصله دم قرحة متولدة في حيوان (وما كان ربك نسيا) * وأما الخنزير فان الله تعالى قال: (أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا). والضمير في لغة العرب التي نزل بها القرآن راجع إلى أقرب مذكور إليه فصح بالقرآن ان الخنزير بعينه رجس فهو كله رجس وبعض الرجس رجس، والرجس حرام واجب اجتنابه فالخنزير كله حرام لا يخرج من ذلك شعره ولاغيره حاشا ما أخرجه النص من الجلد إذا دبغ فحل استعماله *
(٣٩٠)