لما عرفت من ثبوت الحريم فيها بالمقدار الذي يتوقف عليه الانتفاع بها، وقد تقدم انه لا دليل على ثبوت الحريم للأشياء المزبورة بأكثر من ذلك، على أن فرض تساوي أصحاب البلدان في الاحياء فرض نادر، فان الغالب هو ان قيامهم باحيائها تدريجي زمنا، لا دفعي كما هو الحال في جميع البلدان الكبار.
الثاني: ان الحريم لا يدخل في ملك أحد - مثلا - حريم الدار لا يدخل في ملك صاحب الدار، وهكذا، ولا يكون متعلقا لحقه، لما عرفت في ضمن البحوث السالفة من أن الملك أو الحق في الأرض الموات لا يحصل للفرد على أساس قيامه باحيائها، ولا يمكن حصوله بدون القيام بهذه العملية، فان العمل هو المصدر الوحيد عند الشرع لاختصاص الفرد بها.
ولكن بالرغم من هذا لا يجوز لغيره التصرف فيه بما يوجب مزاحمته. نعم فيما لا يكون التصرف فيه موجبا للمزاحمة فلا مانع منه. ومن هنا قلنا إنه ليس متعلقا لحقه أيضا والا لم يجر التصرف فيه مطلقا، فعدم جواز التصرف فيه في فرض المزاحمة انما هو من شؤون تعلق حقه بذيه يعني - لا يجوز لاحد ان يزاحمه في الانتفاع به - وبما ان تصرفه في حريمه مزاحمة له في الانتفاع به فلأجل ذلك أنه غير جائز، لا من جهة انه متعلق لحقه بنفسه.
الثالث: ان الأرض الموات، ورؤس الجبال، وبطون الأودية إذا لم تكن حريما لشئ من الأشياء التي مرت بنا جاز التصرف فيها باحياء أو نحوه، ولا مانع منه من هذه الناحية، ولا يحق لأي فرد ان يمنع غيره عن ذلك، فان نسبة الجميع إليها على حد سواء، حيث إن المبرر الوحيد لعلاقة الفرد بها انما هو العمل