الوجوب - وهذا معنى حمل الأمر على الاستحباب.
وعلى الثالث: فبما ان الحاكم بالوجوب هو العقل فبطبيعة الحال يكون حكمه بذلك مبنيا على أن لا ترد الرخصة على خلافه، فإذا وردت الرخصة ارتفع موضوع الوجوب حقيقة، وثبت بضمها إلى جامع الطلب الاستحباب.
ثم إنه يفترق حمل الأمر على الاستحباب في الوجه الأول عن حمله عليه في الوجه الثاني، والثالث بأنه في الوجه الأول مبني على دعوى الظهور الثانوي، وفي الوجه الثاني، والثالث مبني على التأويل والتوجيه.
ولكن هذه الوجوه بأجمعها: لا تتم في الامر الظاهر في حكم وضعي، فان قوله (ع) في صحيحة الكابلي (فليؤدي طسقها) وقوله (ع) في صحيحة عمر بن يزيد (فعليه طسقها) بما إنهما ظاهر ان عرفا في بيان الحكم الوضعي - وهو اشتغال ذمة المحيي بالطسق للإمام (ع) - دون الحكم التكليفي المحض وعليه فلا يمكن الحمل على الاستحباب، هذا.
ويمكن المناقشة في هذا الجواب: بأنه إنما يتم فيما إذا كان الحكم الوضعي مدلولا لدليل وضعا، فعندئذ لا يمكن حمله على الحكم التكليفي. وأما إذا افترضنا ان مدلوله اللفظي ينسجم مع كل من الحكم الوضعي والتكليفي معا، وكان ظهوره في بيان الحكم الوضعي إنما هو بقرينة خارجية، فحينئذ لا مانع من الحمل على الحكم التكليفي إذا لم يمكن الاخذ بظاهره، من جهة قيام دليل على خلافه.
وما نحن فيه من هذا القبيل، فان قوله (ع) فليؤدي طسقها يدل في نفسه وبقطع النظر عن خصوصيات المورد على الطلب فحسب،