فانظر أيدك الله بتوفيقه، إلى كلامه في المسألة الأولى، وإلى كلامه في هذه المسألة، لا وجه له إلا ما حررناه.
وإذا أوصى الإنسان بوصية، فليس لأحد مخالفته فيما أوصى به، ولا تغيير شئ من شرائطها على ما قدمناه (1)، إلا أن يكون قد وصى بما لا يجوز له أن يوصي به، مثل أن يكون قد أوصى بماله في غير مرضات الله، أو أمر بإنفاقه في وجوه المعاصي، من قتل النفوس، وسلب الأموال، أو إعطائه الكفار، أو إنفاقه على مواضع قربهم من البيع، والكنايس، وبيوت النيران، فإن فعل شيئا من ذلك وجب على الوصي مخالفته من جميع ذلك، وصرف الوصية إلى الحق، وكان على إمام المسلمين معاونته على ذلك.
فإن أوصى الإنسان لأحد أبويه أو بعض قرابته بشئ من ثلثه، وجب إيصاله إليهم وإن كانوا كفارا ضلالا، وكذلك من لا بينه وبينه قرابة من الكفار على ما قدمناه (2).
وقد ذهب بعض أصحابنا أنه لا تصح للكفار إلا لمن بينه وبينه رحم.
والأول هو الأظهر لأنا لا نراعي في الوصية القربة، ويعضد ذلك قوله تعالى " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه " (3) وهذا عام.
ولا بأس بالوصية للوارث عندنا إذا لم تكن بأكثر من الثلث، فإن كانت بأكثر من الثلث، ردت إليه، إلا أن يجيزه الوارث على ما قدمناه (4).
وإذا أوصى بوصية ثم قتل نفسه، كانت وصيته ماضية، لم يكن لأحد ردها، فإن جرح نفسه بما فيه هلاكها على غالب العادات، ثم وصى، كانت وصيته مردودة، لا يجوز العمل عليها، على ما رواه بعض أصحابنا في بعض الأخبار (5).
والذي يقتضيه أصولنا، وتشهد بصحته أدلتنا، أن وصيته ماضية صحيحة، إذا كان عقله ثابتا عليه، لأنه لا مانع من ذلك، ويعضده قوله تعالى " فمن بدله