موجود خارجي موجودا ذهنيا وهو باطل وبطلانه يوجب بطلان المقدم وهو المطلوب.
ولقائل أن يقول: هذا البرهان إنما ينفي كونه تعالى معلوما بكنهه لغيره بالعلم الصوري الارتسامي ولا ينفي كونه معلوما بالمشاهدة الحضورية. فنقول: إن المعلوم بالذات أعني ما حضر عند العالم سواء كانت صورة ذهنية أو موجودا عينيا لا بد وأن يكون بينه وبين العالم علاقة وجودية وارتباط عقلي مستلزم لحصوله للعالم وإلا لصار كل من له صلاحية العالمية عالما بكل شيء بل يجب أن يكون وجود المعلوم من حيث إنه معلوم عين وجوده لعالمه كما صرح به المحققون من الحكماء والعلاقة المتصورة بين ذات الممكن وحقيقة الواجب ليست إلا علاقة المعلولية ولا شك أنها علاقة ضعيفة لا توجب حصولها له فإن وجود المعلول من حيث إنه معلول وإن كان بعينه وجوده لعلته لكن وجود العلة من حيث إنها علة ليس بعينه وجودها لمعلولها ولا مستلزما لها فعلاقة العلية إنما توجب العالمية بخلاف علاقة المعلولية.
والحاصل أن العلم إنما يتحقق بحصول شيء لشيء إما بذاته أو بصورة ذاته حصولا حقيقيا أو حكيما وهو ينحصر في حصول الشيء لنفسه أو لعلته ولا يتصور شيء منها في الواجب بالنسبة إلى الممكنات.
فلا يمكن أن يحصل العلم بحقيقة الواجب بنوع من أنواع العلم بالكنه لشيء من الممكنات وهو المراد.
نقل كلام لتوضيح مرام استدل بعض الحكماء على هذا المطلب بوجه آخر فقال: إنك إذا راجعت وجدانك تعلم أنك لا تعرف الغائب إلا بالشاهد.
معناه أن كل ما سألت عن كيفيته فلا سبيل إلى تفهيمك إلا أن يضرب لك مثال من مشاهداتك الظاهرة بالحس أو الباطنة في نفسك بالعقل فإذا قلت: كيف يكون الأول عالما بنفسه فجوابك الشافي أن يقال كما تعلم أنت نفسك فتفهم.