وتحصيل النشأة الآخرة والتقرب إليه تعالى شيئان النفوس والأموال.
ومن هاهنا يعرف مراتب الطاعات والمعاصي وأن أي الطاعات أفضل الفضائل وأعظم الوسائل المقربة لديه وأيها أدون وأن أي المعاصي أكبر الكبائر المبعدة عنه وأيها أدون ذلك. فإذا كان معرفة الله هي الغاية القصوى والثمرة العليا فأفضل الأعمال الدنيوية ما به يحفظ المعرفة على النفوس إما بالتعليم والهداية أو بالتعلم والدراسة والرئاسة.
ويليه ما ينفع في ذلك وهو ما يحفظ به الحياة على الأبدان وبعده ما يحفظ به الأموال أو ما به المعايش على الأشخاص.
فهذه ثلاثة مراتب ضرورية في مقصود الشرع عقلا.
فأكبر الكبائر ما يسد باب معرفة الله ويليه ما يسد باب حياة النفوس ويلي ذلك ما يسد باب المعايش التي بها حياة النفوس فيحصل من هذا أن فعل المعاصي كفعل الطاعات على ثلاث مراتب:
أولاها ما يمنع من معرفة الله ومعرفة رسله وأئمته بعده وهو الكفر فلا كبيرة فوق الكفر إذ الحجاب بين العبد وبين الله هو الجهل والوسيلة المقربة إليه هو العلم والمعرفة وبقدر معرفته والعلم به وبصفاته وأفعاله وكتبه ورسله واليوم الآخر والمراجعة إليه يحصل التقرب منه والزلفى لديه.
وبقدر الجهل به وبهذه الأشياء يحصل البعد عند والطرد من جنابه ويتلو الجهل بحقائق الإيمان الذي يسمى كفرا الأمن من مكر الله والقنوط من رحمته فإن هذا أيضا عين الجهل.
من عرف الله لم يتصور أن يكون آمنا ولا أن يكون آيسا.
ويتلو هذه الرتبة البدع كلها المتعلقة بذات الله وصفاته وأفعاله وبعضها أشد من بعض وتفاوتها على حسب تفاوت الجهل بها على حسب تعلقها بذات الله سبحانه وبأفعاله وشرائعه.
الرتبة الثانية النفوس إذ بقاؤها وحفظها بدوام الحياة ويحصل المعرفة بالله واليوم الآخر.
فقتل النفس لا محالة من جملة الكبائر وإن كان دون الكفر لأن ذلك يصدم من المقصود وهذا يصدم عن وسيلة المقصود.
إذ حياة الدنيا لا يراد إلا بالآخرة والتوسل إليها بمعرفة الله تعالى.
ويتلو هذه الكبيرة قطع الأطراف وكلما يفضي إلى الهلاك