وبعده الماعز، لان الجزء السمني في الضأن أكثر وعليه أغلب.
وقد بان مما قدمنا إيضاحه أن أغلظ الألبان وأبعده انهضاما وانحدارا وأثقلها على المعدة وأقلها إطلاقا للبطن ألبان البقر، إلا أنها أكثر الألبان غذاء لأنها أكثر جبنية وسمنية خلا لبن الضأن فإنه (١) أكثر جبنية منه. ويدل على ذلك زهومة لبن الضأن وذكاء رائحة لبن البقر. والسبب في غلظه وبعد انهضامه وثقله على المعدة أنه أقل الألبان مائية ورطوبة، من قبل أنه أكثر الحيوان المشاء يبسا وجفافا. ولذلك صار لبنه نافعا من الاسهال المري والزحير الصفراوي ومن الاسهال العارض من عقر (٢) الأمعاء وبخاصة إذا أشوي بالقطع الحديد الفولاذ ونزع ما فيه من يسير المائية.
فإن قال قائل: فما السبب الذي أوجب للبن البقر النفع من الاسهال ولبن الضأن أكثر جبنية منه!
قلنا له: إن لبن الضأن، وإن كان أكثر جبنية من لبن البقر، فإن في مائيته من الكثرة والحدة ما يخفي فعل الجبنية ويستره. ولذلك صار إذا شوي بقطع الحديد الفولاذ حتى تزول عنه مائيته وحدته، أمكن فيه أن تصير له قوة حابسة قاطعة للاسهال، وإن كان ذلك فيه أضعف منه في لبن البقر والماعز، لان قوة حيوانه الطبيعية وزيادة رطوبته الغريزية تعوقانه عن مرتبة لبن البقر في ذلك، لغلبة اليبس وضعف الحرارة في لبن البقر بالطبع. وقد يستعمل لبن البقر على ضروب من الصنعة فتختلف أفعاله ومنافعه على حسب اختلاف صنعته. وذلك أن <من> أراد استعماله لقطع الاسهال المري ومن عقر الأمعاء وتسكين الزحير الصفراوي، إذا أخذه وهو حليب وشواه بالحصى المدور المصمت أو بالقطع الحديد الفولاذ على ما وصفنا مرارا، وشربه بعد ذلك (3) النساء.
فان قال قائل: وكيف صار لبن الأتن ألطف الألبان فعلا ولبن اللقاح والخيل أكثر مائية، وأخص باللطافة من الجبنية والسمنية؟ قلنا له: إن الشئ ينسب إلى اللطافة لجهتين: إما لقوة فعله وناريته في تلطيف الأثفال وتنقية الفضول، وإن كان الجوهر المتولد عنه غير محمود مثل الفلفل والزنجبيل وما شاكل ذلك. ولبن اللقاح، وإن كان ألطف فعلا بحدته وقوة (4) تلطيفه، فإن لبن الأتن ألطف جوهرا لاعتداله وقربه (5) من لطافة لبن النساء (6). ولذلك قال ديسقوريدس: إن لبن الأتن لا يكاد أن يتجبن لقربه من طبيعة لبن النساء ومشاكلته له في اللطافة، وبخاصة إذا شرب بحرارته التي يخرج منها من الضرع.
وأفضل من ذلك أن يشرب من الضرع إن لم تعافه النفس، فإن عافته النفس، شرب كما يخرج من الضرع بشئ من سكر طبرزد.