وانحلاله أبعد وانهضامه أعسر، وانتقاله إلى الفساد أقرب. ولذلك وجب أن لا يستعمل منه إلا السمين ليطيب ما كان من اللحم هزيلا قليل الدسم واللذاذة. ولا يستعمل منه إلا السمين للتغذية أصلا، لان غذاءه مذموم مولد للسدد والفضول البلغمانية، وان كان بين البلغم والمتولد عن السمين والبلغم المتولد عن الشحم فرق كبير لان المتولد عن السمين أرق وألطف وأسرع انحلالا وأسهل على الطباع، والمتولد عن الشحم أغلظ وأسهل انحلالا وأثقل على الطباع.
ومن منافعهما (1) على سبيل الدواء: في إسخان الأبدان وترطيبها وتليينها، إلا أن فعلهما (1) يختلف في القوة والضعف، في الكثرة والقلة على حسب مزاج الحيوان الذي هما منه في حرارته ورطوبته. أو برودته ويبوسته، لان ما كان منهما (1) من حيوان أسخن مزاجا كان أكثر إسخانا، وما كان من حيوان أبرد مزاجا كان أقل إسخانا، وما كان منهما من حيوان أرطب مزاجا كان أكثر تليينا، وما كان من حيوان أيبس مزاجا كان أقل تليينا.
يقاس الشحم أيضا من قبل يبس الحيوان الذي هو منه، لان ما كان منه أصغر سنا أو حيوان هو بعد في النشوء، كان أقل إسخانا وأبعد للترطيب وأقرب من طبيعة السمين. وما كان منه من حيوان هرم من كل حيوان (2)، لان البرودة والجفاف والقحل أغلب على مزاج الهرم من كل حيوان بإضافته إلى غيره من الانسان مما هو داخل في جنسه. وكذلك يجب أن يقاس أيضا من قبل جنس الحيوان الذي هو منه، لان ما كان منه من حيوان ذكر كان أسخن وأقل تليينا وأكثر تحليلا. وما كان من حيوان قد أخصي، كان متوسطا وأحد من الحاشيتين بقسطه على ما بينا وأوضحنا مرارا. وما كان منه من حيوان أنثى، كان أقل إسخانا وأكثر ترطيبا وأبعد من التحليل. وقد يختلف فعل الشحم أيضا من قبل صنعته ومدة زمانه، لان ما استعمل منه ساذجا بغير ملح، كان أعدل إسخانا وأكثر ترطيبا. وما استعمل منه بعد أن يملح، كان أكثر إسخانا وأقل ترطيبا أقرب من التجفيف. وما كان من الشحم طريا قريب العهد بالخروج من الحيوان، كان أعدل إسخانا وأكثر ترطيبا، لان حرارة الهواء ينشف أكثر رطوبته ويفيده حرارة وجفافا.