حيوان فاسد المزاج سقيم البدن، كان مذموما جدا، كما أن دمه مذموم أيضا. ومتى كان من حيوان صحيح المزاج حسن اللحم متوسط (١) الشحم، كان محمودا كثير الغذاء، مولدا (٢) للدم المحمود، ملينا (٣) للطبيعة، نافعا (٣) من علل الصدر والرئة والكلى والمثانة وبخاصة متى نزعت عنه مائيته، بالطبخ أو بالشئ، وألقي فيه عوضا من مائيته ماء حار عذب. وإن كان الادمان عليه نافعا للمعدة والبطن وبخاصة المعدة التي يسرع إليها التنفخ لفضل رطوبتها ونقصان حرارتها لان اللبن في معد كثير من الناس ينحل ويولد رياحا ونفخا، والقليل من الناس لا يعرض لهم ذلك. وليس يكاد يسلم من ذلك إلا من كانت حرارته الغريزية أقوى بالطبع ورطوبته أقل. فإن خلط مع اللبن الحليب بعض الأغذية المحمودة الغذاء مما فيه بعض الغلظ وبعض الانهضام قليلا مثل الأرز والجاوشير والنشاستج والسميذ ودقيق الحنطة وطبخ طبخا بليغا حتى ينضج ما معه من الغذاء غاية النضج، زالت عنه رياحه ونفخه. غير أن الحرارة تكون أبعد والغذاء المتولد عنه أكثر معونة على تولد سدد الكبد وجسأ الطحال وحجارة الكلى. وكذلك اللبن المتخذ بالعسل والسكر فإنه، وإن كان موافقا لعلل (٤) الصدر والرئة، فإنه (٥) زائد في سدد الكبد وجسأ الطحال ومقو (٦) لجميع العلل التي تحتاج إلى التدبير الملطف.
وما كان من اللبن رقيقا كثير المائية، مثل لبن اللقاح ولبن الخيل والأتن، فإنه خاصة دون سائر الألبان برئ من تولد الدم الغليظ. ولذلك صار غير مضر لمن احتاج إلى التدبير الملطف. وإذا طبخ اللبن وحده حتى تذهب مائيته ويصير إلى النصف، غذى غذاء كثيرا ولم يطلق البطن. وإن شوي بالحجارة أو بالقطع الحديد الفولاد على ما بينا حتى تذهب مائيته ويصير إلى النصف مما لا يطلق البطن معينا على حبسها. ومما يدفع ضرر اللبن ويذهب بغائلته <أن> لا يتناوله إلا من كانت حرارته الغريزية أقوى بالطبع، ومزاج معدته مائلا إلى اليبوسة بعد ألا يستعمل أيضا إلا على نقاء المعدة من الفضول وخلائها من الطعام، ويؤكل بالزيت والكرفس والسذاب والنعنع وورق الأترج واليسير من الشونيز.