محيا دل على إفراط الحرارة والتهابها لغلبة الاحتراق والجفاف على مزاج من كان هذا لون مرته بالطبع.
وكذلك صار لون مرة العقبان والبزاة يلنجيا (1) أو أسود (2) لغلبة الاحتراق والجفاف على مزاج هذا الحيوان بالطبع.
ولما كان ذلك كذلك، كان من الأفضل ألا يستعمل أحد شيئا من المرارات في شئ من الأدوية دون أن يفتقد لون المرة بدءا ليقف على مزاج حيوانها وطبعه، ويميز حدة المرة من لينها ليستعمل كل جنس منها في كل واحد من الأدوية على حسب طبيعة المستعمل للدواء وذكاء حسه وجفاف مزاجه وغلظ جنسه ورطوبة مزاجه، لان ذكاء الحس وجفاف المزاج يمنعان من احتمال حدة الأدوية وقوة لذعها، وكذلك ما كان من العلل الغالب عليه الحرارة والجفاف وقلة الوسخ والصديد، كان احتماله لحدة الأدوية وقوة لذعها أقل كثيرا. وما كان من العلل الغالب عليه ضعف الحرارة وكثرة الصديد والوسخ، كان احتماله لحدة الأدوية وقوة لذعها أكثر كثيرا.
وقد يستدل على ذلك من جهتين: إما من فعل المرة الواحدة في أبدان مختلفة، وإما بتأثير مرات مختلفة (3) في بدن واحد، وذلك أنا كثيرا ما نجد فعل المرة الواحدة في بعض الأبدان أشد وأقوى لذكاء حس البدن وقلة رطوبته ونقي جراحاته من الصديد والوسخ، وفى بعض الأبدان أسهل وأضعف لغلظ حس البدن وزيادة رطوبته وكثرة صديد جراحاته ووسخها. ولذلك قد نجد البدن الواحد يحس من قوة فعل المرة الاسمانجونية وشدة لذعها وألمها ما لا يحسه من فعل المرة الصفراء، ولا قريب منه لقوة حدة المرة الاسمانجونية وضعف قوة المرة الصفراء وسهولتها. ولجالينوس في مثل هذا قول حكاه عن الأوائل زعم أنهم كانوا يستعملون في بعض الأدوية مرارة الثور والفحل، وفى بعضها مرارة الثور الخصي.
والامر في هذا بين واضح لان كل ذكر يخصى، تضعف حرارته وينتقل مزاجه إلى مزاج الأنثى، ومزاج القريب العهد بالولادة. ومن البين أن مزاج الأنثى من كل حيوان ومزاج القريب العهد بالميلاد يفارق مزاج كل ذكر وكل فتي من جنسه في ضعف الحرارة وكثرة الرطوبة، لان حرارة الفتي من كل حيوان أشد وأكثر نارية، لأنها أقوى بالكيف لغلبة المرة الصفراء على مزاج الفتي بالطبع. فأما القريب العهد بالميلاد فإن حرارته، وأن كانت أقوى ما تكون بالطبع، فإنها (4) أضعف من حرارة الفتي وألين كثيرا، وذلك لغلبة الدم على مزاج القريب العهد بالميلاد بالطبع، والدم أضعف حرارة وألين من المرة الصفراء بالطبع.