كان مثله كذلك، أعني ألا يقبل إلا ما كان فيه بالقوة، وطعم البسيط، فغير ممكن ان يكون في المركب لا بالقوة ولا بالفعل. ولذلك لا يقبله ولا يستحيل إليه كاستحالته إلى المركب مثله، لمشاكلته في التركيب.
ولذلك صار البزر قطونا (1) أكثر تبريدا لأبداننا وأقطع للعطش من الماء، وإن كان الماء في طبيعته أشد بردا من البزر قطونا إذ كان خالص البرودة لأنه بسيط. ومن قبل ذلك اجتمعت الفلاسفة على أن العناصر لا تغذو البدن أصلا ولا تتشبه بشئ من الأعضاء إلا بتوسط للنبات والدم، لان العناصر لقربها من النبات تتشكل به وتنتقل إليه، والنبات لقربه من (2) الدم يتشكل به وينتقل إليه، والدم لقربه من أعضاء الحيوان يتشكل بها وينتقل إليها، لان به قوتها وقوامها. فقد بان أن أبعد الأشياء من غذاء الحيوان العناصر أنفسها إذ كانت بسيطة لا طعوم لها. ولذلك قبلت كل الطعوم وظهرت فيها كما يقبل ما لا لون له جميع الألوان ويظهر فيه لان ما له لون فلونه يغلب عليه ويمنعه من قبول غيره من الألوان ولذلك صارت الرطوبة الجليدية التي بها يكون البصر من العين لا لون لها، وصار اللسان لا طعم له لأنه لو كان له طعم لما قبل الطعوم ولا تشكل بشئ منها لان طعمه كان يغلب على حسه ويمنعه من قبول غيره من الطعوم إلا على المكابرة والغلبة. والدليل على ذلك أنا نجد من قد غلب على حاسة الذوق منه المرار، كثير ما يذوقه قريبا من المرارة. وكذلك من قد غلب على حاسة لسانه البلغم المالح، يجد كل ما يتطعمه قريبا من الملوحة. ولذلك صار الماء يقبل جميع الطعوم والألوان ويشكل بها من غير أن يكسبها طعما ولا لونا، بل يزيل ألوانها وطعومها إذا غلب عليها من قبل أنه يحل كل ما مازجه ويبسطه فيبسط قوته ضرورة ويتفرق ويضعف فعلها عند تفريق أجزائها. فمن البين أن الماء يخفي طعم ما له طعم، ولون ما له لون من غير أن يكسبه لونا ولا طعما. والدليل على ذلك أنا إذا مزجناه بشئ له حلاوة نقص من حلاوته وذهب بلذاذته، وإذا مزجناه بشئ فيه بشاعة، إما مالح وإما حامض وإما حريف، نقص من بشاعته وأزال أكثرها عنه فأكسبه حالا يستلذ بها لان قوتها تضعف وتصير إلى حال لا تنافرها الطباع كل المنافرة.
فقد بان أن العناصر لا طعوم لها عند حاسة الذوق، لأنها بسائط والحاسة مركبة. وأما ما يفعل في حاسة الذوق، فينقسم بدءا على قسمين: وذلك أن منه ما يحدث في الحاسة لذة، ومنه ما يحدث فيها أذى. وما يحدث فيها لذة فيفعل ذلك بقوة فيه ملينة تغسل وتجلو وتنفي عن الحاسة ما يؤذيها من الأشياء الغليظة التي قد أجمدها البرد كالذي نشاهده في الحلاوة من التنقية والغسل والتليين لخشونة اللسان، وبعد الحلاوة في ذلك الدسومة. ولذلك، صارت حاسة الذوق تستلذ الحلاوة وتسكن إليها كسكون حاسة اللمس للفتورة المعتدلة المشاكلة لحرارة مزاج الانسان. ومزاج بدن الانسان حار رطب باعتدال. وكل ما أحدث في حاسة اللمس أو حاسة الذوق لذة فهو حار رطب باعتدال. فالحلاوة إذا