إلى قوة فعل الحرارة فقط، وما كان منه معتدل الحرارة لسبب انتقاله إلى قوة فعل الحرارة وكثرة الرطوبة معا. وكذلك فعلت الرطوبة أيضا. وذلك أنى لما رأيتها في بعض النبات غزيرة مثل القثاء والبطيخ، وفى بعضه قليلة جدا مثل البلوط والشاهبلوط، وفى بعضه معتدلة مثل التفاح والسفرجل بسبب انتقال ما كان منه غزير الرطوبة جدا إلى كثرة الرطوبة فقط، ولسبب انتقال ما كان منه معتدل الرطوبة إلى قوة فعل الحرارة وكثرة الرطوبة معا.
وإذ قد بينا ذلك فنقول: إنه متى كان انتقال الثمرة عن عفوصتها لقوة فعل الحرارة فقط ثبتت صلابة جرمه على حالها لقلة رطوبته، وانتقل جوهر الرطوبة إلى العذوبة لفعل الحرارة فيها مثل الشاهبلوط وما شاكله، ومتى كان انتقاله عن عفوصتها الكثيرة الرطوبة وزيادتها تولد عن ذلك ثلاثة ضروب من الطعوم: أحدها: العفوصة، والثاني: القبوضة، والثالث: الحموضة. وذلك أن الرطوبة المغذية للثمار تختلف في جوهريتها على ثلاثة ضروب لان منها ما تكون أرضية غليظة، ومنها ما تكون لطيفة إما رقيقة مائية وإما خفيفة هوائية، ومنها ما تكون لزجة متوسطة بين اللطافة والغلظ فما كان من الثمر رطوبته غليظة أرضية ثبتت صلابة جرمه وعفوصة طعمه على حالتها ولم تنتقل إلا انتقال النمو فقط مثل العفص والفوفل (1) وما شاكلهما. وما كان منه رطوبته لزجة متوسطة بين اللطافة والغلظ لان جرمه قليلا وتغيرت بعض عفوصته وصار قابضا مثل البلوط وما شاكله. وما كان منه رطوبته لطيفة، انقاد لفعل الطبيعة ولان واسترخى وانتقل إلى الحموضة، إلا أنه يكون على ضربين: إما أن تكون رطوبته مع لطافتها مائية سيالة فتؤثر بها العفوصة وتكسبها قبضا يسيرا، فتصير لذلك حابسة للبطن مثل التفاح والسفرجل وما شاكل ذلك. وإما أن تكون رطوبته لطيفة هوائية لدنة فتقهر العفوصة بلطافة حرارتها ولدونتها وتكسب الثمرة لزوجة وحدة يسيرة، فتصير لذلك معينة على إطلاق البطن دائما مثل التمر هندي والإجاص وما شاكلهما.
ولذلك صارت الحموضة ألطف وأغوص في المسام من قبل أن الأشياء الحامضة رطوبتها مياعة سيالة تنفذ في المسام بسرعة. وبهذا صار فعلها في باطن الأجساد كفعلها في ظاهرها. وأما الأشياء القابضة فرطوبتها لزجة غليظة قريبة من الأرضية تجفو عن المسام وتمتنع من النفوذ فيها. ولذلك صار فعلها في ظاهر الأبدان أكثر من فعلها في باطنها. وكما أن الأشياء الحامضة ألطف من العفصة وأكثر نفوذا في المسام لان رطوبتها متوسطة بين اللطافة والغلظ، ورطوبة العفصة مخصوصة بالأرضية والغلظ منفردة بهما. ولذلك صار فعل الأشياء العفصة لا يتجاوز ظاهر البدن ولا ينفذ في مسامه أصلا، وإن كان انتقال الثمرة عن عفوصتها لقوة فعل الحرارة وكثرة الرطوبة معا يولد عن ذلك خمسة ضروب من الطعوم:
أحدها: الحلاوة، والثاني: الدسومة، والثالث: الملوحة، والرابع: المرارة، والخامس: الحرافة.
والسبب في ذلك اختلافها في قوة الحرارة وضعفها أو توسطها واعتدالها وكثرة الرطوبة وقلتها وغلظها