وأما الحلو فلان الأعضاء لالتذاذها به تجذب إليها منه مقدارا أكبر حتى تملأ عروقها وجداولها وتستغني عن استفادة غذاء ثان (1) بسرعة. وأما المرارة فتدل على حرارة في الدرجة الثالثة ويبوسة في الدرجة الثانية، من قبل أن الغالب على رطوبتها الأرضية والغلظ. ولهذا صار فيها قبض بين إلا أنها، لقوة حرارتها، صار لها قوة قطاعة مخففة للرطوبات ملطفة للفضول الغليظة الكائنة في الجداول والعروق.
ومن قبل ذلك صارت معينة على إدرار الطمث منقية لظاهر الجسد من الأوساخ والفضول إذا طليت عليه من خارج والذي ينال البدن من غذائها يسير (2) جدا لبعدها من العذوبة والحلاوة، إلا أنها تنهض الشهوة للغذاء وذلك لجهتين: إحداهما: أنها بقوتها القطاعة تفتح أفواه العروق وتلطف الأغذية أو تخفف أكثرها. والثانية: أنها بما فيها من قوة القبض تجمع أجزاء الغذاء حتى يصير جسمه أقل ومواضعه أصغر، فتخلو أكثر العروق من الغذاء، وتهتاج القوة إلى جذب ما يملأها ضرورة.
وأما الحرافة فتدل على حرارة في الدرجة الرابعة، ويبوسة في آخر (3) الدرجة الثالثة أو في أول الرابعة. ولذلك صار لها قوة مشاكلة لقوة النار في الاحراق. ولهذه الجهة صارت أكالة قطاعة ملطفة تلطيفا أكثر من سائر الطعوم. ومن قبل ذلك صارت من الأشياء الملطفة للطبيعة المنهضمة لشهوة الطعام لأنها بتقطيعها وتلطيفها تنقي أفواه العروق وتفتحها وتجفف أكثر رطوبة الغذاء حتى يكون ما يصير إلى الأعضاء من غذائه يسيرا (4). ولذلك صارت (5) نسبتها إلى الدواء أقرب من نسبتها إلى الغذاء.
وأما الملوحة فتدل على حرارة ويبوسة في آخر الدرجة الثانية، إلا أن رطوبتها متوسطة بين اللطافة والغلظ قريبة من الأرضية. ولذلك صار لها قوة لذاعة تغسل وتلين خشونة البدن وتذيب الرطوبات بدءا وتحللها ثم تجففها أخيرا. ولذلك صارت تجفف اللحم الرخو وتصلبه.
وأما الحموضة فتدل على برودة ويبوسة في الدرجة الثالثة. إلا أن في رطوبتها الجوهرية رقة ولطافة مع أرضية يسيرة. ولذلك صارت تغوض (6) وتقطع الفضول وتنبه الشهوة للغذاء، وذلك لثلاث جهات:
إحداها: أنها ببردها وقبضها، تجمع جسم الطعام ويصير مقداره أقل مما كان عليه فيخلو أكثر العروق منه عند لبثه في المعدة فتنبه (7) القوة الجاذبة للغذاء إلى ملء ما خلا من العروق. والثانية: أنها لما كانت مشاكلة للفضل (8) السوداوي الولد لشهوة الغذاء في طبيعته وطعمه، صارت زائدة فيه ومقوية لفعله.
والثالثة: أنها بتقطيعها وتلطيفها، تلطف الغذاء وتجفف أكثر رطوبته فيقل مقداره في العروق ويخلو أكثرها منه، فتنبه القوة الجاذبة إلى أن تملأ ما خلا منها ومن خاصتها أنها متى وافت في المعدة فضولا غليظة قطعتها وأحدرتها بسرعة، ومتى وافت المعدة قليلة الرطوبة خالية من الفضول، صار التجفيف