ولطافتها وتوسطها بين القلة والكثرة واللطافة والغلظ. وذلك أن الحرارة متى كانت في غاية الاعتدال والتوسط، وكانت الرطوبة أيضا كذلك أعني في غاية التوسط بين القلة والكثرة، كمل طبخ الثمرة وجاد هضمها وانتقلت إلى الحلاوة إلا أن انتقالها يكون على ضربين: إما أن يكون ذلك بتوسط طعم ثالث، وإما أن يكون بلا وسيط. والسبب في ذلك أن جوهر الرطوبة متى كان لزجا غليظا أسرع انعقاد الثمرة وانتقلت إلى الحلاوة دفعة بغير وسيط كانتقال التمر والتين والموز وغير ذلك.
ومتى كان جوهر الرطوبة رقيقا سيالا لطيفا بعد انعقادها وامتنع وانتقلت الثمرة بدءا إلى الحموضة حتى إذا كمل انعقادها بدوام فعل الحرارة فيها انتقلت إلى الحلاوة مثل العنب والمشمش وما شاكلهما.
ولذلك صار التمر والتين والموز أكثر لزوجة وغلظا من العنب وما شاكله. وقد يستدل على ذلك من الشاهد لأنا نجد جميع الرطوبات العذبة التي تطبخ في الشمس إذا كانت رقيقة سيالة قليلة الغلظ واللزوجة بعد انعقادها وانتقلت إلى الحموضة، وإذا كانت غليظة لزجة انعقدت بسرعة وقويت حلاوتها.
فإن جاوزت الحرارة حد الاعتدال وصارت كأنها في آخر الدرجة الثانية وكان جوهر الرطوبة لطيفا لدنا هوائيا، انتقلت الثمرة إلى الدهنية والدسومة مثل اللوز وجوز الهند وما شاكلهما. وإن كانت الحرارة بهذا الوزن والمقدار وكانت الرطوبة يسيرة متوسطة بين اللطافة والغلظ، انتقلت الثمرة إلى الملوحة. ولذلك، صار كل مالح حارا يابسا أرضيا في الدرجة الثالثة، وكانت الرطوبة يسيرة غليظة أرضية انتقلت الثمرة إلى المرارة. ولذلك، صار كل مر حارا يابسا أرضيا في الدرجة الثالثة، فإن جاوزت الحرارة هذا الحد أيضا وصارت إلى الدرجة الرابعة وكانت الرطوبة مع ذلك في غاية من اللطافة انتقلت الثمرة إلى الحرارة وصارت نارية محرقة. ولذلك، صار كل حريف حارا يابسا في الدرجة الرابعة.
فقد بان من قوة كلامنا أن الملوحة والمرارة أكثر حرارة من الحلاوة الدسومة (1)، وأن الحرافة أكثر الطعوم حرارة ويبوسة. وقد يستدل على ذلك من جهتين: إحداهما من فعلها، والأخرى من انفعالها: أما من فعلها فلانا نجد الحلاوة تجلو جلاء معتدلا من غير استكراه للطبيعة ولا تفريق للاتصال ويدل على ذلك استلذاذ الحاسة لها وسكونها عندها. وأما الملوحة والمرارة والحرافة فليس هي كذلك لأنها تجلو جلاء غير معتدل بعنف على الطبيعة، ويدل على ذلك استكراه الطبيعة لها ونفور الحاسة منها لتفريقها لاتصالها. والحرافة، فيما ذكرنا، أقوى فعلا وأسرع تأثيرا لان حرارتها نارية مشاكلة لحرارة النار.
وأما الملوحة فلان حرارتها في آخر الدرجة الثانية صار فعلها أضعف، ونفور الحاسة منها أقل. وأما المرارة فلان حرارتها في الدرجة الثالثة توسط فعلها بين فعل الحرافة وفعل الملوحة لأنها أقوى من الملوحة وأضعف من الحرافة. ولذلك صار نفور الحاسة منها أكثر من نفورها من الملوحة وأقل من نفورها من الحرافة.