أربعا. ولما لم يجدوا بين هذه الدرج الأربع أيضا إلا مراتب تخفى عن الحس وتلطف عند الفعل، لم يمكن أن يوقعوا عليها اسما وصيروا لكل درجة ثلاث مراتب: أول وآخر ووسط. وقالوا أول الدرجة ووسطها وآخرها. فقد بان مما قدمنا إيضاحه ان اللذيذ من الطعوم هو الملائم لمزاج بدن الانسان مثل الحلاوة، أو قريب من الملاءمة مثل الدسومة، وبعدها التفاهة. وذلك أن الدسومة مجاورة لحد الاعتدال إلى الحرارة قليلا، ولذلك صارت (1) حرارتها في آخر الدرجة الثانية. وأما التفاهة فناقصة عن حد الاعتدال إلى البرودة قليلا، ولذلك صارت قريبة من البرودة في الدرجة الأولى.
فأما الطعوم غير اللذيذة (2) فهي البشعة المخالفة لمزاج بدن الانسان وهي على ضربين: إما مخالفة بإفراط جمعها مثل العفوصة وبعدها القبوضة، وإما مخالفة بإفراط تفريقها وهي على ضربين: إما مفرقة للاتصال من غير إسخان للبدن مثل الحموضة، وإما مفرقة ومسخنة مثل الحرافة وبعدها المرارة وبعدها الملوحة. فقد بان واتضح أن الحلاوة والدسومة تحت جنس واحد من الحرارة والرطوبة. إلا أن الفرق بينهما أن رطوبة الحلاوة لزجة غليظة قريبة من التوسط بين الغلظ واللطافة مشاكلة لرطوبة بدن الانسان ورطوبة الدسومة لدنة لطيفة مشاكلة لرطوبة الهواء. ولذلك صارت الدسومة أخص الطعوم بتغذية الحرارة الغريزية. ويستدل على ذلك من الشاهد لأنا نجد الزيت والدسم أخص الأشياء بتغذية النار خارجا لان رطوبة الزيت والشحم مشاكلة لرطوبة الهواء، والهواء أقرب العناصر من طبيعة النار لما بينهما من المجانسة والمشاركة بالفاعل الأكبر أعني الحرارة.
وأما الملوحة والمرارة والحرافة فإنها تحت جنس واحد من الحرارة واليبوسة إلا أن الفرق بينها (3) أن رطوبة الحرافة لطيفة نارية، ورطوبة الملوحة متوسطة بين اللطافة والغلظ قريبة من الأرضية، ورطوبة المرارة غليظة أرضية فيها قبض. فلذلك صارت أقل إضرارا بالمعدة من الملوحة والحرافة. فأما العفوصة والقبوضة والحموضة فإنها تحت جنس واحد من البرودة واليبوسة إلا أن الفرق بينها (4) أن رطوبة العفوصة يسيرة جدا غليظة أرضية ورطوبة القبوضة أغزر وأقرب إلى التوسط والاعتدال، ورطوبة الحموضة أكثر غزارة وألطف إلا أنها على ضربين لان منها رقيقة مائية مثل رطوبة الرمان الحامض وحماض الأترج، ومنها لزجة لدنة هوائية مثل رطوبة التمر الهندي والإجاص.
فأما التفاهة فإنها، وإن وافقت العفوصة والحموضة في جنس واحد من البرودة، فإن بينهما فرقان بين من قبل أن الحموضة والقبوضة تدلان على اليبوسة دائما، والتفاهة تدل على الرطوبة دائما، وذلك لان طعمها قريب من طعم الماء والماء بارد رطب فهي إذا باردة رطبة، ولذلك صار كل بارد رطب إما تفها وإما مائلا (4) إلى العذوبة قليلا متوسطا بين التفاهة والحلاوة. فإذا الطعوم البسائط ثمانية لا أقل ولا أكثر. أحدها: الحلاوة، والثاني: الدسومة، والثالث: الملوحة، والرابع: المرارة، والخامس: الحرافة،