البدن للينه وسرعة انقياده. ومتى وافى البطن متهيئة لاحدار التفل من أسفل، أزلق التفل وأحدره بسرعة، وأعان على إطلاق البطن. وإن وافى قوة البطن مقصرة عن تنفيذ الغذاء، وعن إحدار التفل جميعا، طفا وعام واستحال إلى فساد، وولد نفخا وقراقر. وهذه خاصة التفه وفعله. ومتى كان طعمه بسيطا لم يشبه طعم التفاهة. ومن أجل ذلك صار القرع مضرا بأصحاب القولنج (1)، فإن تركب وصار مع ذلك لزجا مثل القطف والخبازي والملوخية، صارت له قوة مزلقة مرخية للمعدة. ولذلك صارت هذه الأغذية أسرع خروجا وانحدارا من غيرها مما ليس سبيله سبيلها لما فيها من فضل الرطوبة واللزوجة، ولا سيما متى مشى المتناول لها، بعد أخذه لها، مشيا رقيقا على أشياء تنخفض وتطأ من تحت قدميه، لان انحدارها وخروجها مع الحركة أسرع منه مع الاضطجاع والسكون، وجودة انهضامها مع الاضطجاع والسكون أكثر منه مع الحركة والمشي.
ومما هو داخل في هذا الجنس أيضا، الشراب الحلو والتوت والإجاص والمشمش والخوخ، إذا كانت حلوة، والبطيخ لما فيها من فضل الرطوبة واللزوجة. إلا أن البطيخ دونها كلها لخاصتين: خاصة تجمعه وإياها، وخاصة ينفرد بها دون غيره. فأما ما يجمعه وإياها فسرعة الانحدار والخروج. وأما التي يختص بها دون غيره فإدرار البول لما فيه من الجلاء اليسير لصدق عذوبته وسلامتها من الحرافة والمرارة. ولذلك صار منقيا للأوساخ من الجلد إذا اغتسل به. إلا أن جميع هذه الأغذية وما شاكلها مما لا طعم له بين ولا رائحة ظاهرة، أو مما له عذوبة ولزوجة متوسطة بين ما يحبس ويطلق على ما بينا في القرع آنفا من قبل أنها متى وافت قوة البطن مستعدة لتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء، سالت وانماعت مع الغذاء إلى جميع البدن. ومتى وافت قوة البطن متهيئة لاحدار الثفل، زلقت مع الثفل، وأعانت على إطلاق البطن. ومتى وافت القوة مقصرة عن الفعلين جميعا، وضعفت عن تنفيذ الغذاء وإحدار الثفل، طفت وعامت واستحالت إلى العفونة وحبس السموم. وإنما ينبغي أن نستعمل هذه الأغذية في إطلاق البطن متى كان الفضل رقيقا والثفل لينا. وأما متى كان الفضل غليظا والثفل شديدا فالحموضة أولى بذلك منها. وليست الحموضة أيضا فقط، لكن الحرافة والملوحة والمرارة تستعمل في مثل ذلك.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن فعل الحموضة في تلطيف الفضول قريب من فعل الحرافة. والفرق بينهما أن الحرافة تلطف وتسخن المزاج إسخانا قويا، والحموضة تلطف وتبرد تبريدا بينا. ولذلك وجب أن تستعمل الأشياء الحريفة متى كان الفضل مائلا إلى البرودة والغلظ. وتستعمل الأشياء الحامضة متى كان الفضل مائلا إلى الحرارة والكثافة. فأما ما كان من الأغذية قد خالطت حلاوته شيئا من الحموضة وصيرته مرا، فإن فعله أيضا متوسط بين ما يطلق ويحبس، إلا أن أخص هذه الطعوم بالرياح والنفخ والمنع من جودة الهضم التفاهة لغلبة الرطوبة المائية عليها ومن بعدها العذوبة. وأما المرارة فتبعد عن ذلك لقلة رطوبتها وتوسطها الرطوبة واليبوسة.