الدم إلا مقدار حاجة الطباع إليه في تقوية القوة الماسكة في كل واحد من الأعضاء.
ومنه نوع ثان خارج عن الطبيعي ومسكنه المعدة، وهو أربعة (1) ضروب: أحدها: المعروف بالمحي لان لونه شبيه بلون مح البيض. والثاني: يعرف بالأصفر لان لونه شبيه بلون الزعفران الأصفر.
والثالث: يعرف بالكراثي لان لونه شبيه بلون الكراث. والرابع: يعرف بالزنجاري لان لونه صديدي على لون صدأ النحاس المتزنجر.
فالمحي والأصفر من هذه الأربعة أقل حرارة ويبسا من النوع الطبيعي، لان تولدهما عن رطوبة خالطت النوع الطبيعي المنصب إلى المعدة دائما فغيرت لونه من الشقرة إلى الصفرة. إلا أن الزعفران أقوى حرارة وأكثر (2) يبسا من المحي قليلا لان زيادة صبغه دالة على أن الرطوبة التي خالطته كان فيها قلة ورقة. ولذلك صار أقوى صبغا وأرق قواما من المحي كثيرا.
فأما الكراثي والزنجاري فهما أشد حرارة ويبسا من النوع الطبيعي كثيرا. والزنجاري (3) أشد احتراقا وفسادا، ولهذه الجهة صار أقتل وأوجى (4) وأقرب من الهلاك.
وأما فساد الغذاء لسبب حال يحدث للمعدة خارجة عن الحال الطبيعي، فينقسم قسمين:
أحدهما: أنه ربما اتفق أن يكون في المعدة طعام قد تقدم وتوسط النضج، ثم تناول صاحبه بعده طعاما ثانيا، إما ألطف من الطعام الأول، أو مساويا له، فإذا انهضم الطعام الأول وانحدر انحدارا معه الطعام الثاني ضرورة، وهو على غاية من الفجاجة، فإذا صار إلى الكبد على فجاجته وغلظه، أرسلته الكبد إلى الأعضاء وهو على حال من الفساد لا يؤمن معها أن يحدث عنها مع طول الأيام الاستسقاء المعروف بالحمى. ولذلك وجب ألا يتناول الانسان شيئا من الغذاء إلا على نقاء من معدته وخلوها من الغذاء وغيره.
والثاني (5): أنه ربما اتفق أن يقدم الانسان أمام طعامه غذاء غليظا بطئ الانهضام، ثم يستتم طعامه بغذاء لطيف سريع الانهضام، فإذا انهضم الطعام اللطيف لخفته وسرعة انقياده، وحاول الخروج منعه الطعام الغليظ عن الانحدار. فإذا لبث هناك زمانا طويلا انتقل إلى الدخانية وحبس المرار ممن كان مزاج معدته محرورا. وإما إلى الحموضة والعفونة ممن كان مزاج معدته باردا. ولذلك صار من الواجب أن يقدم الانسان أمام طعامه دائما طعاما لطيفا سريع الانحدار، ويستتم غذاءه بما كان أغلظ وأبطأ