فيقل ما يجتمع منه في المعاء ويخف حمله عليها، فلا تهتاج إلى دفعه بسرعة. ولذلك قال جالينوس:
إن الحلاوة تقلل التفل، والملوحة تكثره. أراد أن الغذاء المالح يجتمع منه في المعاء مقدار كثير لقلة ما ينفذ منه في العروق إلى الأعضاء.
وأما ما كان من الأغذية مرا، فإن قوته وفعله شبيه بقوة المالح وفعله. إلا أنه أقل إضرارا بالمعدة كثيرا لغلبة القبض على مزاجه.
وأما ما كان من الأغذية حريفا، فإن له لا محالة قوة قطاعة جديدة مشاكلة لقوة الأغذية المسهلة.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن ما كان من الأغذية حريفا أو بورقيا ففيه قوة قطاعة يفعل بها فعل الأدوية المسهلة ويحدر البطن باستكراه للطبيعة وعنف عليها. ولذلك صار سبيله في الأبدان سبيل الدواء لا سبيل الغذاء. إلا أن الحريف أخص بذلك وأقوى فعلا لان قوته أحد كثيرا.
فأما ما كان الأغذية حامضا فإن له قوة تقطع وتلطف من غير إسخان للبدن. إلا أن فعله يكون على ضربين: وذلك أنه إن وافى في المعدة والمعاء رطوبات غليظة قطعها ولطفها وأحدرها. وإن وافى البطن يابسا قليل الرطوبة، كان بتجفيف التفل وحبس البطن أولا وإليه أسبق، لان ذلك من خاصته وطبعه. وإنما يفعل متى كانت حموضيته ساذجة بسيطة، إلا أن يخالطها شئ من اللزوجة مثل التمر هندي والإجاص، فتكون معينة على إطلاق البطن دائما.
فأما ما كان من الأغذية عفصا، فإن فيه قوة قابضة تدبغ وتجفف وتغلظ الرطوبة. ولذلك صار لمن احتاج إلى التدبير الملطف مذموما، لان من خاصيته أن يدبغ المعدة ويقويها ويحبس البطن بالطبع دائما. وإن كان قد تهيأ فيه إطلاق البطن بالعرض. وذلك أنه إذا أخذ قبل الطعام، تمكن من فم المعدة الأسفل وشده وقواه، ومنع الاسهال منعا قويا. فإذا أخذ بعد الطعام بقي طافيا في أعلى المعدة وعصره كما يعصر الشئ بالمعصار، وأحدر ما في المعدة بسرعة وصار سببا لاسهال البطن، وبخاصة متى وافى جرم المعدة ضعيفا عن حبس الغذاء، وكان ما تقدم من الأغذية من الأشياء الملطفة مثل الحلبة المنبتة وسائر البقول المسلوقة المتخذة بالمري والزيت، لان هذه الأغذية إذا تقدمت وأخذ بعدها شئ قابض انحدرت بسرعة وأعانت على الاسهال.
ولجالينوس في هذا قصة أخبر بها عن رجل خطيب كان يزعم أنه إذا أخذ الأشياء القابضة مثل الكمثرى والتفاح والسفرجل، أسهلته إسهالا قويا. فقال جالينوس: إني لما سمعت هذا الرجل الشاعر يقول أنه إذا أكل الأشياء القابضة أسهلته، فكرت في ذلك وأخمدت الفحص الذي يقع بالتجربة، ودنوت بالحكمة إلى تجربة أخرى من هذا الرجل وسألته أن يصير غذاءه عندي يوما واحدا لأقف على الوقت الذي يأكل فيه الطعام القابض، ومقدار ما كان يأكل منه، وسألته أن يجري غذاءه على عادته في سالف أيامه ولا يغير من تدبيره شيئا. ففعل ذلك، ودخل الحمام بدءا ثم خرج وشرب ماء باردا فأقل منه. ثم أكل حلبة منبتة وفجلا وأشباه ذلك مما عاده الناس إذا أكلوه قبل طعامهم، لانت طبائعهم، ثم شرب بعد