انحدارا، ليكون متى انهضم الطعام اللطيف وحاول الخروج، لم يعوقه عائق عن الانحدار.
فإن عارضنا معترض وقال: فما أنكرت أن يكون متى تناول الانسان طعاما لطيفا، ثم أتبعه بطعام غليظ، أن الطعام اللطيف متى انحدر (1) وهم بالخروج، أحدر معه الطعام الغليظ ضرورة كما شرطت في أعلى كلامي (2). أن المعدة متى يقدم فيها طعام قد توسط الهضم، وتناول صاحبه طعاما ثانيا، إن الطعام الأول متى انهضم وحاول الخروج، انحدر معه الطعام الثاني ضرورة.
قلنا له: قابلت بالمحال من قبل أنا إنما شرطنا هذا الشرط متى كان الطعام الثاني ألطف من الطعام الأول أو مساو له في اللطافة لأنه متى كان كذلك وانهضم الطعام الأول، أمكن (3) الطعام الثاني، للطافته وليانته وسرعة انقياده، أن ينزلق وينحدر مع الطعام الأول ضرورة. فأما الطعام الغليظ فإنه إذا أخذ بعد الطعام اللطيف، فانهضم الطعام اللطيف بسرعة، وحاول الخروج، مانع الطعام الغليظ القوة الدافعة لغلظه، وبعد انقياده، ولم ينقاد لفعلها، وامتنع من الانحدار والخروج إلى أن ينهضم ويكمل نضجه ويكتسب ليانة ورخاوة تزلقه وتعين القوة الدافعة على دفعه.
وأما اختلاف الأغذية على حسب طبائعها وذواتها (4) فينقسم قسمة أولية على ضربين: وذلك أن منها بسيط ومنها مركب. أعني بالبسيط ما كانت قوته قوة واحدة مفردة وهو ما كان قوة جرمه وقوة رطوبته المستخرجة منه بالطبخ قوة واحدة. وأعنى بالمركب ما كان له قوتان متضادتان (5)، وهو ما كان قوة جرمه مخالفة لقوة جوهره ورطوبته فما كان منها قوته بسيطة مفردة كان طعم جرمه مشاكلا لطعم جوهره ورطوبته المستخرجة منه بالطبخ وهو على ثمانية اقسام، أحدها: الحلو. والثاني: الدسم. والثالث: المالح.
والرابع: المر. والخامس: الحريف (1). والسادس: الحامض. والسابع: العفص. والثامن: التفه.
فأما الحلو، فإنه متى كان خالص الحلاوة، ولم تشبه حرافة (6) ولا لزوجة كان ألذ الطعوم عند الطبيعة لقربه من طعم الدم وطبيعته، ولأنه يجلو ويغسل وينفى عن الحساسية ما يؤذيها ويلين البطن تليينا معتدلا من غير استكراه للطبيعة، ولا عنف عليها. ولذلك صار فعله في سرعة الانهضام والانحدار عن المعدة والمعاء فعلا معتدلا بطبيعته وذاته. وأما نفوذه في العروق فليس هو له في طبعه لكن بالعرض، لان ذلك إنما يكون عن فاعل خارج عنه، لا عن فاعل من ذاته. وذلك أن الأعضاء لو لم تشتاق إليه لاستلذاذها به بعذوبته، وتجذبه إليها قهرا، لكان من حكمه وطبعه ان يهيج المعاء إلى دفعه وإخراجه