بالماء وحده كل طعم ما يمازجه من الماء، وزال عنه كيفيته وخاصته التي تراد منه ولم يفده لذاذة، وهذان الطعام فليسا كذلك، لان كل واحد منهما، وإن غير فعل صاحبه، فإنه يكسبه لذاذة مركبة من طعميهما من غير أن يزيل عنه كيفيته التي هي له أصلا، إلا أن تغلب عليه، فيخفي كيفيته ويسترها.
ومتى كان الغذاء عفصا، كان الأفضل في إصلاحه أن ينقع في الماء العذب حتى يلين، ويسلق بماء ثان (١) فإن احتجنا إلى <أن> نبقي بعض عفوصته فيه، لم نمعن في إنضاجه حتى يهترئ. وإن أردنا أن نزيل عنه أكثر عفوصته، بالغنا في إنضاجه لان كل ما يطبخ فليس تبقى فيه قوته على حالتها، لكنها تقل وتضعف بانتقالها إلى الماء. وكلما بولغ في إنضاجه، كان ما يذهب من قوته إلى الماء أكثر.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن جميع ما يطبخ، فقوته تخرج إلى الماء. فإذا طال لبثه على النار، ذهبت قوته أصلا، ولا سيما متى نقل من ماء إلى ماء. وإنما يصير المرق مالحا لما يطبخ فيه من الأشياء المالحة، لان النار ترفع لطيفة بالبخار، فيتشنج غليظه ويصير بورقيا.
ومتى كان الغذاء مرا وكان مما يحتاج أن يسلق، سلقناه بالماء القراح وطيبناه، بعد إخراجه من الماء، بالخل والملح والأبازير. وإن كان مما لا يسلق، مثل زيتون الماء، نقعناه في الماء والملح بدءا حتى تزول بعض مرارته، ثم نقلناه إلى الماء والملح والخل. فإن كان فيه مع حرارته، دهنية وليانة، مثل زيتون الزيت، اكتفينا في إصلاحه بالملح لأنه يحتاج إلى ما ينشف رطوبته ويصلب جسمه ليبقى ولا يزنخ ويفسد.
ومتى كان الغذاء حريفا وكانت حرافته ساذجة لم تشبها مرارة ولا عفوصة، مثل البصل وقضبان الخردل الطري، كان الأفضل في إصلاحه أن ينقع في الماء والملح. وإن جعل فيه شئ من خل، كان لا بأس به، وإن كان مع حرافته مرارة أو عفوصة، فيسلق بماء وخل ممزوجين، لان الأوفق في إصلاح المرارة المحضة والعفوصة الكذلك، سلقها بالماء القراح. فإذا تركب أحدهما مع حرافة، وجب أن يخلط بالماء الذي يسلق به الخل، ويتخذ بعد ذلك بالزيت أو غيره من الادهان، ليكتسب بذلك لزوجة تكسر حدتها وحرافتها، وتسلم الحاسة من أذيتها. ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: ومن الواجب أن لا نستعمل الأشياء الحريفة ولا الأشياء القحلة الجافة إلا بالزيت أو بغيره مما يقوم مقامه من الأشياء الدسمة، لان اللدونة تكسب الأشياء الحريفة سلاسة وليانة، وتكسر حدة حرافتها، وتمنع من أذيتها، وتفيد الأغذية القحلة الجافة لزوجة ورطوبة. ولسقلس (2) في هذا فصل قال فيه: إن ملاك الامر (3) في إصلاح الأغذية، تنقيتها، بدءا مما خالف جنسها مما لا يمكن أكله، مثل الدوسر (4) من الشعير، والزوان