والاسفاناخ وغير ذلك من البقول السريعة الانهضام والانقلاب إلى الدم، وإن كان الدم المتولد عنها رقيقا مائيا (1) سريع الانحلال من الأعضاء.
والثالث: الأغذية اللطيفة في فعلها، وإن كانت مذمومة في جوهريتها، أعني وإن كان لها فعل محمود في تلطيف الفضول وتفتيح السدد، فإن الدم المتولد عنها حار حريف غير محمود الغذاء، مثل الأغذية العطرية والمالحة والمرة والحريفة. أعني بالعطرية الخمور المصرفة، وأعني بالحريفة الفجل والخردل والشلجم واللوف (2) وما شاكل ذلك.
وكذلك التدبير الغليظ ينتظم من ثلاثة معاني:
أحدها: الأغذية الغليظة في انفعالها وجوهريتها معا. أعني بغلظها في انفعالها، عسر انهضامها وبعد انتقالها إلى الدم. وأعني بغلظها في جوهريتها، غلظ الدم المتولد عنها، مثل الدم المتولد عن الجزور ولحم الظباء والايايل والكثير من البقر.
والثاني: الأغذية الغليظة في انفعالها (3) فقط، وإن كان جوهرها محمودا، مثل لحم الضأن والهرائس والخبز الذي لم تحكم صنعته، لان هذه وإن كانت غليظة بعيدة الانهضام للزوجتها وزيادة رطوبتها، فإن الدم المتولد عنها غير مذموم.
والثالث: الأغذية الغليظة في فعلها وانفعالها، مثل الأغذية التي (4) قد اجتمع لها الغلظ من الجهتين جميعا من فعلها وانفعالها. أما من انفعالها، فلعسر انهضامها وبعد انقلابها إلى الدم. وأما من فعلها، فلأنها تغلظ ما توافي من الفضول وتجمدها وتفجج الطعام وتمنع من نضجه. إلا أنها تكون على ثلاثة ضروب: لأنها لا تخلو من أن تكون إما مفججة أو محدرة، مثل القثاء والخيار والخس وما شاكل ذلك. وإما دسمة ملزجة، مثل الشحوم وما شاكلها. وإما عفصة مجففة، مثل البلوط وما شاكله.
فمتى سمعتنا نقول في هذا المعنى، التدبير اللطيف مطلقا، فإنما نريد به الغذاء اللطيف الانفعال المحمود الجوهر. ومتى سمعتنا نقول ذلك مضافا، فإنما نريد به الغذاء الملطف للفضول، وإن كان الدم المتولد عنه غير محمود، لان الضرورة تدعونا إلى ذكره لحاجتنا إليه في تفتيح السدد وتلطيف الفضول.
ومتى سمعتنا نقول في هذا المعني التدبير الغليظ مضافا (5) كان أو مطلقا، فإنما نريد به الغذاء المولد للدم المحمود. وإن كان غليظا بطئ الانهضام من قبل أن الغرض المقصود في هذا المعنى هو تدبير الصحة،