ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: وينبغي أن يحذر التعب بعد الطعام كما يحذر السكون قبل الطعام، لان التعب يستفرغ رطوبة اللحم دائما بما يتخلل من البدن بالبخار والعرق. وإذا قلت رطوبة اللحم، افتقر إلى الغذاء واستلب الدم من العروق. فإذا نقص الدم من العروق، استلب الغذاء من المعدة قبل تمام هضمه واستكمال نضجه. ولذلك يقع أصحاب هذا الشأن في أمراض يهلكون منها قبل الشيخوخة.
وله (1) في الأغذية التي لا يستمرئها إلا الافراد من الناس، فصل قال فيه، نحتاج إلى ذكره ههنا لما فيه من المنفعة في حفظ الصحة. قال: وكثير من الناس مغترون بصحة معدتهم واحتمالها لما يرد عليها من الأطعمة الغليظة العسيرة الانهضام مثل القثاء والخيار وما شاكلهما، ويلحون عليها ويكثرون الاكثار منها. وآخرون ممن ليست هذه حالهم يغبطونهم على ذلك ويغترون بصحة أبدانهم قبل حلول الآفة بهم، إذا رأوهم يأكلون ما لا يقدر أحد على أكله، ويستمرئون ما لا يستمرئه غيرهم، ولا يعلمون أن كثيرا ما يقعون وهم لا يشعرون، في أمراض صعبة يهلكون منها وشيكا، لان لا بد لمن كانت هذه حاله من أن تجتمع في عروقه، على طول الأيام، فضول باردة غليظة تعسر استحالتها وانتقالها إلى الدم حتى يعرض له من أدنى سبب، ما يعين على عفونة (2) تلك الأخلاط. ويكون ذلك سببا قويا لحدوث حميات رديئة خبيثة، أو تنقص حرارة كبده الغريزية، وتضعف قوتها الهاضمة ويتبع ذلك الاستسقاء ولا تنحل منه بتة.