والسبب الأعظم في تدبير الصحة، الأغذية المولدة للكيموس المحمود لطيفة كانت أو غليظة، كما قال جالينوس: وينبغي أن نحذر من كل طعام ما كان مذموم الجوهر مطلقا ملطفا كان أو مغلظا، لان الأغذية المولدة للكيموس المذموم، إنما هي سبب لتولد الأمراض، لا لتولد الصحة.
فمن البين أنا غير محتاجين من التدبير الغليظ في تدبير الصحة إلا إلى هذا النوع فقط، لحاجتنا إليه في تدبير أهل الرياضة والحركة القوية والتعب الدائم، لأنا لا نقدر <أن> نقاوم فعلهم إلا بما كان من لغذاء عسير الانهضام بطئ الانحلال، ليطول لبثه في أعضائهم، ولا ينحل منها بسرعة، فيلحقها الذبول والسلال (1).
ولذلك قال جالينوس: وأما الأطعمة التي غذاؤها غليظ بطئ الانهضام وليست برديئة الجوهر، فلا يجب أن يتجنبها كل الناس، لان من كانت حركته كثيرة وتعبه دائما وبنيته صحيحة، يعني بذلك صحة كبده ومعدته، فليس تضره الادهان عليها، إذا كانت محمودة الكيموس.
وإذ أتينا على ما نريد تقديمه، وقسمنا التدبير اللطيف والغليظ قسمة جنسية، فلنستتم المعنى بذكر فعل كل واحد من أنواعها بخاصته التي ينفرد بها دون غيره. ونبدأ من ذلك بالتدبير اللطيف، إذ كانت الحاجة إليه أسبق.