الرياضة دائما إما لان سنه لا يحتمل، أو لان عادته لم تجر عليها، وجب ألا يستعمل من الأغذية الغليظة اللزجة شيئا إلا في الندرة وعند الاضطرار بعد ركوب قوي أو مشي يقوم له مقام الرياضة، لان السكون قبل الغذاء من أبعد الأسباب الموجبة لحفظ الصحة، وبخاصة مع استعمال الأغذية اللزجة. ولذلك وجب على من كانت له أسباب تعوقه عن الرياضة، وتحول بينه وبين الحركة والركوب في كل يوم، دائما قبل وقت غذائه، أن يستعمل الاستقصاء في تدبيره، ويقصد الأغذية اللطيفة في انفعالها وحسن جوهرها، ويتوقى ما كان من الأغذية غليظا لزجا، ويحذره جدا، ولا يكتفي بذلك أيضا دون أن يستعمل تنقية بدنه وإفراغ فضوله في الأوقات المحمودة مع استعمال الأدوية المعينة على الهضم، الحافظة للصحة في كل حين، مثل إدمان شرب الاسكنجبين، وبخاصة الاسكنجبين العنصلاني، لمن كانت رطوبة بدنه غليظة لزجة مع استعمال الجوارشنات المنقية لرطوبات المعدة، المفتحة لسدة الكبد والطحال، لأنه إن أغفل ذلك وأهمله، وألح على الأغذية الغليظة، لم يلبث دون أن يقع في بعض الأمراض المزمنة المتولدة عن الامتلاء.
وعكس هذا التدبير وضده، يلزم من كان تعبه كثيرا ورياضته دائمة، إذا ألح على الأغذية اللطيفة السريعة الانحلال، مثل البقول وماء الشعير، وما شاكل ذلك، إلا من كانت هذه سبيله من استعمال الأغذية اللطيفة السريعة الانفعال، لم يلبث أن يضعف وتنحل قوته وينقص لحمه ويصير إلى الذبول والسلال. ولأن كثيرا من الناس من هو من الشغل في طول دهره على حاله لا يقدر معها على رياضة بدنه على ما ينبغي، ولا أخذ غذائه في أوقاته، ولا على نقاء من معدته، ولا على حسب مزاجه، لزم ضرورة لمن كانت هذه حاله ألا يستمرئ طعامه استمراء صحيحا، ولم يستمر غذاؤه على ما يجب، لم يمكن أن تدوم له صحة ما لم يتعاهد نفسه باستفراغ فضول بدنه بالاسهال والفصد (1)، ولزوم شرب الاسكنجبين واتخاذ الجوارشنات المنقية لرطوبات المعدة، المفتحة للسدد.
ولما كانت الحركة قبل الطعام من أوفق الأشياء وأقواها على إدامة الصحة، كانت الحركة بعد الطعام من أقوى الأشياء على إزالة الصحة عن الأصحاء، من قبل أنها تحمي الطعام الذي قد تقدمها وتثوره وتزعجه وتحدره عن المعدة بسرعة قبل تمام هضمه. فإذا صار الغذاء إلى الكبد وهو على غاية الغلظ والفجاجة، اجتمع منه في عروق الكبد وجداولها فضول غليظة نية موجبة لأمراض شتى وعلل مختلفة عسيرة الانحلال إلا أن توافي الحرارة الغريزية التي في الكبد والعروق قوية جدا، فتهضمه وتحيله دما، وإن كان الدم المتولد عنه أيضا ليس بالمحمود لأنه من جنس الخام الغليظ. ولذلك صار كثيرا ما يتولد عنه التخم وأوجاع المفاصل. ولذلك وجب ألا يستعمل الانسان من الحركة بعد الطعام إلا مقدار ما يحدر الطعام، ويمكنه من قعر المعدة فقط، ولا يمشي أيضا إلا على أشياء لينة تطمئن تحت رجليه وتنخفض مثل المخاد المحشوة بالقطن وما شاكله.