بسرعة بحرارة الهواء، وتلقى الأبازير في القدر من أول الطبيخ لينضج نضجا كاملا، وإلا فججت الغذاء ومنعت من هضمه على ما بينا مرارا.
وإن طبخت لحما من حيوان له زهومة، فالأفضل ألا تكسر من عظامه، إلا ما لا بد من كسره، لان الفساد يسرع إلى مخ العظام كثيرا لاحتقانه في باطن العظام وكثرة دهنيته. فإذا خالط المرق منه شئ غلبت زهومته عليه فأفسدته. وإن قدرت أن تنزع العظام أو تنزع مخاخها، كان أفضل. ثم تغسل اللحم بالماء وتمرغه في ملح قريب من الجريش قد خلط معه شئ (1) من الحاشا (2) ويسير من فوذنج ويصير على شئ متخلخل ساعة حتى يمصل ماؤه الذي فيه زفورته، ثم يغسل بالماء العذب مرات حتى يزول طعم الملح الذي يغسل به، ثم يغلى بالماء العذب حتى ترتفع رغوته وتنزع بمغرفة مثقبة حتى يتنظف ماؤه ويصفو، ثم تغير ذلك الماء وتطبخه بماء ثان (3) أي لون أحببت. فإن كان الحيوان قليل الزهومة، فلا تبالي إن كسرت عظامه، ولكن اغسله بالماء وملحه بالملح والحاشا والفودنج على ما وصفت، ثم اغسله حتى يعذب ماؤه واغسله وانزع رغوته واطبخه من غير أن تبدل ماءه. فإن كان الحيوان بريا، فالأفضل ألا يطبخ (4) إلا بعد أن يذبح بيوم لتذوب رطوبته بسخونة الهواء ويرطب لحمه ولا يرخي جسمه ويفيده ليانة تقرب من ليانة الحيوان الأهلي، لان العفونة لا تكاد تسرع إلى الحيوان البري، لقلة رطوبة غذائه وجفاف هوائه ودوام حركته وكثرة تعبه.
وأما الحيوان الأهلي، فلما كان في جميع أحواله مخالفا للحيوان البري لرطوبة هوائه وإمكان غذائه وقلة حركته ودوام سكونه، وجب أن يكون تدبيره مخالفا لتدبيره أيضا. غير أن الامر، وإن كان كذلك، فمن الواجب أن يكون التدبير أيضا ملائما لجنس الحيوان وطبيعته ومزاجه، لأنا قد بينا مرارا أن من الحيوان ما هو في طبيعته لين رطب مثل الرضيع من الضأن وما هو في طبيعته رخص قليل الرطوبة مثل الجدي والفراريج وفراخ الشفانين (5). ومنه ما هو في طبيعته صلب جاف قليل الرطوبة مثل البقر والظباء والديوك العتيقة والطواويس والفواخت والحجل وكبير الشفنين (6) والدراج والفتي من الحمام (2). ومنه ما هو في طبيعته زهيم سريع الانتقال إلى الفساد، مثل الكبير من الماعز وبخاصة الذكران منه. فما كان في طبيعته لينا كثير الرطوبة، مثل الجدي الرضيع والفراريج والتدرج وفراخ الشفانين، أو زهيما، مثل الكبير من الماعز، كان الأفضل أن يطبخ وقت أن يذبح إلا ما كان في طبيعته لينا رخوا كثير الرطوبة أو رخصا قليل الرطوبة، استغني عن الحيلة فيما يلين لحمه ويرخيه أكثر من طبخه أو شيه فقط.
وما كان في طبيعته زهما، كان من شأنه إذا لبث قليلا (7) بعد أن يذبح أسرع إليه الفساد، وتغيرت