رائحته وانتقل إلى حاجة لا تصلح للغذاء. وما كان في طبيعته جافا صلبا، مثل البقر والظباء والطواويس والفواخت وسائر ما عددنا ذكره من هذا الجنس، فالأصلح ألا يطبخ إلا بعد ذبحه بيوم لتذوب رطوبة لحمه بحرارة الهواء ويكتسب ليانة ورخاوة.
وأما السمك، فيجب أن يطبخ ويشوى وهو بعد طري يتحرك، لأنه لرخاوة لحمه ولينه وكثرة رطوبته، لا يحتمل أن يلبث إلا أن يملح. ومما يعين على تليين صلابة اللحمان وسرعة نضجها أن يحرك الحيوان قبل ذبحه حركة قوية. والدليل على ذلك أنا نجد ما تتصيده الكلاب والبزاة وغيرها من الحيوان الصياد أرخى لحما وأرخص مما لم يصده حيوان. وكذلك ما يطرد من الحيوان ويلجأ إلى الحركة القوية قبل ذبحه، يكون أرخى وأرخص مما لم يلجأ إلى ذلك. ومما يستعن به الطباخون على إنضاج اللحم، الشمع والبورق وقضبان التين الطري ولبنه، والخل أيضا فقد يفعل قريبا من ذلك. ومما يكسب اللحم لطافة وحسن استمراء ليستمرئه من كان في استمرائه ضعف من المشايخ والناقهين من الأمراض، أن يرفع اللحم وينقع في ماء وشئ من ملح ويسير من حاشا، وفوذنج جبلي ساعة، ثم يعلق حتى يمصل ماؤه ويغسل بالماء العذب وينظف ويطبخ بعد ذلك، أو يقطع على المقدار الذي يصلح ويغسل بالماء ويمرغ في ملح قريب من الجريش وشئ من حاشا وفوذنج جبلي ويترك ساعة على شئ متخلخل ليمصل ماؤه ويغسل بالماء مرات حتى يزول طعم الملح منه ويعذب ويطبخ. وكذلك يجب أن نفعل بالسمك أيضا لان الملح يقطع رطوبته ويلطف لزوجته وغلظه. ولهذه الجهة احتجنا في إصلاح اللحمان السمان الكثيرة الدم والرطوبة إلى كثير من الملح.
كما قال جالينوس: إن ما كان من اللحمان سمينا رطبا كثير الدم فيجب أن يكثر ملحه ويشوى بنار قوية لا لهب لها. وما كان من اللحمان مهزولا قليل الدم والرطوبة، فليمسح مسحا يسيرا ويشوى بنار لينة ويجعل تحته إناء مملوء ماء عذبا، ليرتفع بخاره إليه ويكسبه رطوبة.