العسير التحلل. ومنها المتخلخل المسام السريع التحلل. ومنها ما ببعض أعضائه آفة، احتجنا إلى الوقوف على طبائع الأغذية واختلاف حالاتها في تنقلها ليكون ما يعطاه (١) كل صنف من الناس حسب ما يوافقه منها إما مشاكلا وملائما لمن كان مزاجه معتدلا، وإما مخالفا أو مضادا لمن كان مزاجه قد زال عن الاعتدال إذ كان غرض الطب وتمام عمله تثبيت المزاج الطبيعي على حالاته بما لاءمه وشاكله، ورد المزاج الحائد عن الاعتدال إلى الحالة الطبيعية بما خالفه ونقص منه.
مثال ذلك: أنا نجعل ما يستعمله من كان الغالب على مزاجه الدم الخالص النقي أغذية معتدلة في كميتها وكيفيتها جميعا ليكون الخلف المتولد عنها نظير ما يتحلل من الأبدان في طبائعها وجواهرها. ونجعل ما يستعمله من كان الغالب على مزاجه خلط من الأخلاط الأخرى مثل إحدى المرتين أو البلغم أغذية مخالفة لمزاجه وطبيعته لينقله من الزائد عليه إلى الناقص عنه ويرده إلى التوسط والاعتدال. مثال ذلك: أنا متى رأينا في الغالب على مزاجه المرار الأصفر، جعلنا ما يستعمله من الغذاء ما يبرد مزاجه ويرطبه. ومتى رأينا من الغالب على مزاجه البلغم، جعلنا ما يستعمله من الغذاء ما يسخن مزاجه ويجففه. ومتى رأينا من الغالب على مزاجه المرة السوداء، جعلنا ما يستعمله من الغذاء ما يسخن مزاجه ويرطبه. الا أنه يجب أن تكون كمية كيفية الغذاء الوارد على البدن، على حسب مقدار كمية كيفية مزاج البدن في صد كيفية الغذاء إلى أي كيفية كانت لا أزيد ولا أنقص.
مثال ذلك: انه متى كان مزاج البدن حائدا عند الاعتدال إلى الحرارة مقدار درجة، أن يكون الغذاء المستعمل حائدا عن الاعتدال إلى البرودة مقدار درجة. ومتى كان البدن حائدا عن الاعتدال إلى اليبوسة مقدار درجتين، أن يكون الغذاء المستعمل حائدا عن الاعتدال إلى الرطوبة مقدار درجتين. وعلى هذا الوزن والقياس يجب أن ينقل كل مزاج حائد عن الاعتدال إلى حاشية ما، أي حاشية كانت، حتى يرد إلى التوسط والاعتدال. فقد بان من قوة كلامنا أن بين كل مزاجين متضادين مزاج معتدل، كما أن بين كل نوعين من الأغذية، متضادين، نوعا متوسطا، والموافق من كل غذاء لمن كان مزاجه معتدلا لا يذم منه شئ <و> ما كان من الأغذية كذلك، أعني ما كان معتدلا لا يذم منه شئ. وأما ما كان مزاجه رديئا حائدا عن الاعتدال، كان ذلك له من جبلته وأول أمره، أو لعارض عرض له، فليس الموافق له من الغذاء ما كان معتدلا، ولا ما كان مشاكلا لمزاجه، بل ما كان مخالفا لمزاجه وطبعه، إذ كان محتاجا إلى أن ينقل من الحالة التي هو عليها إلى حالة هي أفضل وأعدل.
ونقل كل مزاج فإنما يكون بما خالفه ونافره. فإذا المعتدل ينتظم بمعنيين: أحدهما طبيعي عامي، والاخر عرضي خاصي. والعامي: هو الجاري على مجرى الطباع المتوسط بين كل حاشيتين متضادتين