والفلك والأدب والفلسفة.
ومما عزز التوجه الطبي عندهم، إضافة إلى حث الاسلام إلى طلب العلم، دعوة صريحة من نبيهم صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن: (تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء الا وضع له دواء، غير واحد. قيل:
يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرم).
ونلاحظ، هنا، أن الأطباء المسلمين استطاعوا، في وقت قصير، احراز قصب السبق في صناعة الطب على اليونان الذين كانوا بالأمس يمدونهم بالمعارف الطبية. فهم، باعتراف يكاد يجمع عليه مؤرخو العلوم، أضحوا حاملي لواء التطور الطبي إبان القرن الرابع الهجري، وبقوا مصدر علوم أطباء الغرب طيلة القرون الوسطى، وامتد تأثيرهم هذا، في بعض الحالات، حتى عصر النهضة وما بعده.
وإذ نتكلم عن هذه الانجازات العملاقة، نتذكر أسماء الرازي، وابن سينا، وابن النفيس، والزهراوي، وعلي بن العباس، وابن الجزار، وابن أبي أصيبعة، وعبد اللطيف البغدادي، وإسحاق بن سليمان مؤلف كتابنا هذا.
إنه إسحاق بن سليمان، يكنى أبا يعقوب. شاع ذكره وطغت معرفته بالإسرائيلي. لم يحفظ لنا المؤرخون سوى سنة وفاته وهي على الأرجح 320 ه. وقد عاش مائة سنة ونيف، لم يتزوج ولم يعقب ولدا.
(كان طبيبا فاضلا بليغا عالما مشهورا بالحذق والمعرفة) هكذا عرف به ابن أبي أصيبعة. وهو الوحيد الذي ترجم له باستثناء ما ذكره عنه صاحب (كشف الظنون) بشكل مقتضب جدا على عادته في إسناده الكتب إلى مؤلفيها. واللافت، هنا، غياب ترجمته عن سائر كتب التراجم والتأريخ.
نشأ الإسرائيلي في مصر، وانتقل إلى القيروان بتونس، وسكن فيها، وأصبح ينسب إليها أيضا.
وهناك تعرف إلى الطبيب المشهور إسحاق بن عمران فلازمه وتتلمذ له.
لم يقتصر فضله على الطب، بل كان (بصيرا في المنطق، متصرفا في ضروب المعرفة) كما ورد في طبقات الأطباء. وهذا ما نلمسه أيضا في عناوين بعض كتبه. ولعل أستاذيته للطبيب الشهير ابن الجزار هي أبلغ دلالة على علو شأنه في علوم الطب وغيرها.
كانت تونس أثناء إقامته فيها تحت حكم زيادة الله بن الأغلب (1). وقد أورد ابن الجزار (2) نادرة سمعها