يستلذ به. وإما لما كان محتاجا إلى تلطيف من غير إسخان، مثل ما يفعل بحسو (1) الشعير إذا خلط معه يسير من خل ليزيد في تلطيفه من غير أن يفيده حرارة.
وأما الزيت، فاحتيج إليه لثلاثة وجوه: إما لاصلاح الغذاء وتطييبه. وإما لما قد أفرط عليه القحل والجفاف، فيكسبه ليانة وسلاسة، مثل العدس والجاورس. وإما لما فيه من حدة وحرافة وتلذيع، فيفيده لزوجة يسكن بها ما فيه من الحدة والتلذيع، ويمنع من أذيته.
وأما الأبازير، فاحتيج إليه لثلاثة وجوه: إما لاصلاح أغذية باردة عسيرة النفوذ في العروق بالطبع، تحتاج إلى ما يلطف غلظها ويطرق (2) نفوذها في العروق وجولانها في البدن. وإما لما كان تفها كثير الرطوبة مغثيا يحتاج إلى ما يفني أكثر رطوبته ويفيده لذاذة. وإما لما كان بشعا كريه الرائحة يحتاج إلى ما يغير كراهة رائحته. وإن كان من الواجب أن نحذر الاكثار من الأبازير، وألا نستعمل منها إلا ما غير طعما رديئا ورائحة كريهة، لان الاكثار منها يجفف رطوبة الغذاء ويغلظه ويمنع من انهضامه. وأما الأبازير الرطبة، فيجب أن لا يستعمل منها إلا ماءها فقط، لان أجرام جميع الأبازير غليظة عسيرة الانهضام.
وإذ أتينا على جملة الوجوه التي نصل بها إلى إصلاح طعوم الأغذية وروائحها وتعديل أجرامها، فقد بقي أن يستتم هذا الباب بذكر الطعوم والروائح والأجرام التي تحتاج أن تنقل مما هي عليه إلى غيره، ونخبر بما يصلح كل واحد منها على الانفراد. ونبدأ من ذلك بذكر الطعوم إذ كانت أقوى فعلا وأكثر تأثيرا فأقول: إن الطعوم المؤذية ستة: أحدها: التفاهة. والثاني: الحموضة. والثالث: الملوحة.
والرابع: العفوصة. والخامس: المرارة. والسادس: الحرافة.
فمتى كان الغذاء تفها لا طعم له ولا لذاذة، كان الأفضل في إصلاحه أن يكسب طعما يستلذ به، بالخل والملح والأبازير والأشياء الموافقة. ومتى كان حامضا، اكتفينا في إصلاحه بالملح. وكذلك إذا كان مالحا، كان إصلاحه بالحموضة، لان هذين الطعمين كأنهما ضدان كل واحد منهما يغير فعل صاحبه، إلا أن تكون كيفية أحدهما قوية جدا فلا يمكن معها مقابلتها من ضدها بمقدار قوتها، وإلا حدث بينهما كيفية لا تحتملها الحاسة لقوتها. ولذلك صار الأفضل أن تكسر حدة ما كان منها طعمه قويا، بالماء ثم يقابل من ضده بما يعدله ويكسبه لذاذة.
فإن قال قائل: فإذا كان الماء يكسر حدة كل واحد من هذين الطعمين ويعدله، فلم لا اكتفينا في إصلاحها بالماء وحده واستغنينا عن مقابلته بضده؟.
قلنا له: إن الماء لا طعم له، فلو ذهبنا أن نقتصر في إصلاح ما نريد إصلاحه من هذين الطعمين