والمثانة، ولا سيما إذا كان معه شئ من عسل أو غيره من الحلاوة، لان الأعضاء تستلذ حلاوته وتقبل منه أكثر من مقدار القوة على هضمه.
وأما اللبن البعيد العهد بالخروج من الضرع، المعروف بالدوغ، فقد خرج من طبيعة اللبن الحلو جملة، ومال إلى البرودة واليبوسة. وإذا صار اللبن مثل هذه الحال، بعد عن قبول الاستمرار في المعدة المعتدلة المزاج، فضلا عن المعدة الباردة. وأما المعدة الحارة المزاج، فقد يوافقها متى أخذ منه بقدر على سبيل الدواء ولم يكثر منه، لان الاكثار منه يغذو غذاء غليظا مذموما، ويولد في الكلى والمثانة رملا وحصى، لان كل طعام غليظ هذه سبيله وبخاصة إذا أخذ على غير نقاء من المعدة، إلا أنه لا يتجبن في المعدة كما يتجبن اللبن الحلو، لأنه قد عدم الكيفيتين القاتلتين لذلك، أعني الحرارة والرطوبة. وإذا عدم اللبن الحرارة والرطوبة لم يقبل الانعقاد أصلا.
وأما اللبن الرائب المعروف بالماست، فهو في فعله وانفعاله متوسط بين طبيعة اللبن الحلو وطبيعة اللبن الحامض، لما فيه من بقايا عذوبة اللبن الحلو. فإذا نزع زبده، كان أفضل لغذائه وقوي على تسكين الحرارة وبخاصة إذا كان من لبن البقر، لغلبة البرد على مزاج البقر بالطبع.
وأما اللبأ، فلغلظه وعدم المائية أصلا، صار أعسر انهضاما وأبعد من الانحدار عن المعدة، وأكثر الألبان تولدا للدم المذموم والاخلاط الغليظة. ولذلك صار يتخم بسرعة ولا سيما إذا لم يكن معه لا عسل ولا غيره من الأشياء الحلوة التي معها جلاء وغسل، إلا أنه إذا صار إلى المعاء، أثقلها بغلظه وهيج القوة الدافعة إلى إحداره بسرعة، وأسهل البطن، وصار سببا عرضيا لزلق الأمعاء ولتوليد العلة المعروفة بالهيضة. وما عقد من اللبأ في قدر منزلة في جوف ماء حار، كان ألطف له وأرطب. وما عقد على نار أو رماد حار، كان أغلظ وأثقل.