ومائيته، ولعمري لولا ما فيه من الحدة والملوحة، لأمكن أن يكون ذلك. وقد امتحناه عدة مرار، فلم نجد له فيما ذكر أثرا محمودا.
واللبن الغليظ جدا، فهو ما كان في طبيعته على نهاية البعد من المعتدل، مثل لبن البقر، لأنه أقل الألبان مائية وأكثرها زبدية وجبنية، خلا لبن الضأن فإنه أكثر في الجبنية فقط على ما بينا. ويستدل على كثرة جبنية لبن الضأن من كثرة زهومته، كما قال جالينوس: وفى لبن الضأن زهومة ليس في لبن البقر مثلها. ولذلك صار أميل إلى البلغم. وله قول في لبن البقر قال فيه: إن لبن البقر أقل الألبان مائية وحدة، وأكثرها غذاء وتربية للحم، وموافقة للمعدة، وتقوية للأعضاء، وتسكينا (٣) للحرارة، وبخاصة حرارة الكبد والمعدة. ومن خاصته، إنه إذا نزع زبده وشرب، برد المزاج وسكن لذع الأخلاط الحريفة وقوى الحرارة الغريزية وعدلها وزاد في اللحم زيادة بينة ومنع الاسهال المري ونفع من الزحير الصفراوي وقروح الأمعاء والمثانة والأرحام. وأفضل ما استعمل لهذا الشأن، إذا نزع زبده وألقي عليه مثله ماء عذب وطبخ حتى يذهب الماء ويبقى اللبن، لان الماء يزيل عنه أكثر حدة مائيته وحرافتها ويكسبه برودة ورطوبة يقوى بها على تسكين الحرارة وتربية اللحم. وإذا ردد الماء عليه مرارا، وطبخ في كل مرة حتى يذهب الماء الذي ألقي عليه، كان ما يزول عنه من الحدة أكثر، وزاد ذلك في تبريده للأبدان وترطيبه لها. فإن لم يلق عليه ماء ولم يطبخ، لكن ألقي فيه فخارة محماة أو قطع الحديد الفولاذ المحماة، ورددت فيه مرات كثيرة حتى تذهب مائيته الطبيعية، قل تبريده وترطيبه، وقوى فعله في قطع الاسهال والزحير وتقوية الأعضاء.
وأما اللبن المعتدل المتوسط بين اللطافة والغلظ، فهو الذي قد تساوت فيه الجواهر الثلاثة، أعني جوهره المائي والجبني والسمني، مثل لبن الماعز، فإنه قد تكافأت فيه جواهره الثلاثة، ولذلك صار بعد لبن النساء أعدل الألبان وأخفها على المعدة. ومن قبل ذلك صار متى طبخ حتى يذهب منه النصف، وشرب بسكر طبرزد، نفع من قروح الرئة والكلى والمثانة. فإن نزع زبده وألقي عليه ماء وشوي بالحجارة المحماة أو بقطع الحديد المحماة حتى يذهب الماء ويبقى اللبن، نفع من إسهال الأغراس وقروح الأمعاء. وأكثر ما يشرب منه رطل. وينبغي للمستعمل له أن يحذر أن يتجبن في معدته، لأنه إن تجبن لم يؤمن عليه أن يحدث ثقلا في المعدة، وبخارا يترقى صعدا، ويتولد عنه اختناق شديد وضيق نفس. فمتى تجبن، فيجب أن يقطع شربه، ويشرب من العسل أوقية، أو أوقية ونصف مع شئ من ملح هندي.
وأما اللبن الذي هو دون اللطيف، فهو المتوسط بين اللطيف جدا والمعتدل على الحقيقة مثل <لبن> الأتن، وبعده لبن الخيل، فإنها متوسطة بين لبن اللقاح ولبن الماعز، من قبل أنها أقل مائية وحدة