المهزول الا مسلوقا يستفيد رطوبة من الماء يعتدل بها مزاجه إذ كان في طبيعته ليفيا عصبيا.
وأما المطبوخ فهو في طبيعته متوسط بين ما يرطب ويجفف لان الماء وان أكسبه رطوبة، فان الأبازير بعيدة من اليبس والجفاف ما يعدل رطوبته المكتسبة من الماء. ولذلك صار الأفضل ألا يطبخ من اللحمان الا ما كان متوسط السمن، ولحم أحمر سمين معرى من الشحم لتدوم رطوبته واعتداله من غير أن ينقص من رطوبته شيئا ولا يزيد فيها الا انه قد يقع بين ألوان الطبخ اختلاف كثير على حسب ما يدخلها من الأبازير وغير ذلك مما قد يمكن ان يثبت اللحم على حالته وطبيعته أو يزول إلى أحد الحاشيتين دون الأخرى، لان من الألوان ما يلقب بالاسفيذباج الساذجة وهو المتخذ بالماء والملح والزيت والكزبرة الرطبة والبصل والكمون، ومنها ما يتخذ بالخل والمري والسذاب والأبازير الحريفة، ومنها ما يتخذ بالخل والسكر وماء التفاح الحلو والماورد والكزبرة اليابسة، ومنها ما يتخذ بالحصرم وحماض الأترج (1) وماء الرمان الحامض.
فما كان منها متخذا بالماء والملح والزيت وما عددنا من الأبازير، كان قريبا من المسلوق في رطوبته ولينه، وما كان منها مطيبا بالخل والمري والسذاب والأبازير الحريفة، كان قريبا من المطجن في حرارته وتجفيفه، وما توسط بين هذين اللونين كان أقرب إلى التوسط والاعتدال الا ان أعدلها وأبعدها من الحاشيتين جميعا اللون المعروف بالزيرباج المتخذ بالخل والسكر والكزبرة اليابسة وماء التفاح العذب والماورد، وكذلك اللون المعذب بماء الرمان وماء التفاح والعنب، ذلك لتوسط هذين اللونين واعتدالهما في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. وأما المطيب بماء الحصرم وحماض الأترج والرمان الحامض، فهو أكثر أنواع الطبخ تبريدا وتخفيفا وتقوية للمعدة، ولذلك صار نافعا للاسهال المري الكائن من ضعف القوة الماسكة في المعدة والكبد جميعا.
وأما المتخذ بالخل والمري والسذاب والأبازير، فهو أكثر أنواع الطبخ حرارة ويبسا، إلا أنه دون المطجن المطيب بالأبازير الحريفة في الحرارة والتجفيف كثيرا. ولهذه الأسباب وجب أن يتخذ كل نوع من أنواع الحيوان بلون ما، إما مشاكلا لطبيعته ومزاجه وسمنه وهزاله، وإما مشاكلا لطبيعة المغتذى به.
فأما اتخاذه على حسب طبيعة الحيوان ومزاجه وسمنه وهزاله، فقد كنا بينا ذلك آنفا حيث قلنا: إن من الحيوان ما هو في طبيعته رطب اللحم ومثل الرضيع من الضأن. ومنه ما هو في طبيعته حار مثل الجزور وبعده الفتي من الضأن. ومنه ما هو في طبيعته بارد اللحم مثل الماعز وبعده البقر.
ومنه ما هو في طبيعته معتدل مثل الجداء الرضع وبعده العجول. فما كان منها في طبيعته يابسا، وبخاصة إن كان مع ذلك مهزولا ليفيا، كان الأفضل أن يتخذ بماء وملح وأسفيذباجة ساذجة، ليكتسب من الماء رطوبة يعتدل بها يبس مزاجه أو جفاف هزاله. وما كان منها في طبيعته رطبا كان من الواجب أن