وأما في الرطوبة واليبوسة، فإن بينهما فرقان من قبل أن الزيت في طبيعته يابس، وشحم الحيوان البارد في طبيعته رطب. ولذلك صار دسمه سيالا مياعا وشحمه نافعا من الزحير (١) واللذع الشديد العارض في المعاء، لأنه بلطافته وسيلانه وانمياعه، ينفذ في مسام الأعضاء حتى يصير إلى باطنها بسرعة ويسكن ألمها ويمنع من أذية الفضول اللذاعة لها، وإن كانت هذه الخاصة قد توجد في شحم الإوز أيضا لكثرة رطوبته ولطافته. وأما الأسد فهو في طبيعته أسخن الحيوان وأيبس مزاجا. ولذلك صار شحمه أكثر فشا وتحليلا من سائر الشحوم. ولهذا صار نافعا من التواء العصب وانعقاده، ومن الأورام الجاسئة (٢) المزمنة. وأما شحم البقر فمتوسط بين شحم الأسد وغيره.
وأما شحم الماعز فهو، وإن كان أقل حرارة من شحم البقر، فإنه أسخن وأجف من شحم غيره كثيرا، من قبل أن الماعز، وإن كان بالإضافة إلى أكثر الحيوان المشاء باردا، فإنه بالإضافة إلى المزاج المعتدل أسخن وأيبس كثيرا، والدليل على يبسه جموده بعد إذابته بسرعة، صار نافعا من قروح المعاء إذا احتقن به لا يجمد على الأعضاء ويلحمها بسرعة. ومن خاصته إذا طبخ شحم الحولي منه بكشك الشعير وشرب، نفع من قروح الرئة والمعاء. وكذلك يفعل في كل علة تحتاج إلى التغرية، إذا استعمل مع الأحساء والتدبير الموافق للعلة.
وأما شحم الضأن فإنه، وإن كان أسخن من شحم الماعز وغيره جميعا، فهو متوسط بينهما في الرطوبة واليبوسة، لأنه أجف من الشحم البارد وأرطب من شحم الماعز. ولذلك صار، إذا احتقن به، كان (٣) أكثر نفعا وأقوى تأثيرا من شحم الأول في العلل الرديئة الكائنة في المعاء المعروف بالقولون <لا> لأنه أجف من هذا الشحم وأكثر تسكينا للذع، لكن لان دسم هذا لا يجمد بسرعة لكثرة سيلانه، وانمياعه، ودسم الضأن يجمد بسرعة لاعتدال رطوبته، وإن كان في سرعة جموده مقصرا عن شحم الماعز كثيرا لزيادة رطوبته على شحم الماعز بالطبع.
ولجالينوس في الشحوم قول قال فيه: إن شحم الأسد أسخن وأيبس من شحم الكلب. وشحم الكلب أيبس من شحم البقر. وشحم البقر أيبس من شحم الغنم. وشحم الغنم أيبس من شحم الضأن.
وشحم الضأن أيبس من شحم غيره.
وأما اختلاف الشحوم من قبل سن الحيوان، فيكون على أربعة ضروب: وذلك أن من الحيوان الصغير جدا الكائن بعد في (4) الرضاع. ومنه الحولي القريب العهد بالرضاع. ومنه الفتي البعيد العهد